Page d'accueil Nos saints
Sainte Thérèse de Jésus (d’Avila)
  • Sainte Therese De Jesus

تريزا ليسوع الأفيليَّة، طريقة التأمّل وميزاتها – الجزء الثاني
كتابة: الأب شاهين ريشا الكرملي

ثانياً: طريقة تأمل القديسة تريزا ليسوع الأفيليَّة

التأمل الذي مارسته
قبل دخولها الدير، وقبل أن تقرأ تريزا أيّ كتابٍ في التأمل، مارسته دون أن تعرف ما هو، عندما كانت طفلةً تتأمل في عظمة الله وفي سعادة القديسين الدائمة أو عندما كانت تتأمل قليلاً قبل الرقاد في مشهد البستان (سيرة 4،9).

ونظير فتيات عصرها، تعلّمت مبادىء القراءة والكتابة وشغفت بالمطالعة لكنها لم تدرس اللاهوت لتكتسب قدرةً على التفكير والتحليل ونظرة شاملة إلى عقائد الإيمان.

ورغم أنّ الكرمل رهبانيةٌ تطلّعية، محورُ فرائضها "أن يَلْزَم الراهبُ قلاّيته متأمّلاً في شريعة الرب ليل نهار وساهراً في الصلاة" (قانون 6)، لم تأخذ تريزا مبادىء التأمّل عن مرشد، بل اكتفت بما عرفت بواسطة الكتب.

ومع ذلك فقد مارست التأمل في السنتين الأوليين من حياتها الرهبنية، بالطريقة التي فهمتها، والتي تختصرها في التقرير الرابع:"منذ العام الأول، بدأَت تفكِّر في آلام سيدنا يسوع المسيح بواسطة الأسرار وفي خطاياها... إذ انصبَّ تفكيرُها على الخلائق والأشياء التي كانت تستخلص منها سرعة زوال العالم". وطريقتها هذه معروفة في كتب التأمل المختلفة نختصرها بالخطوات التالية:

الاستعداد بالحضور إلى مكان التأمل والتزام الصمت ورسم إشارة الصليب وفحص الضمير والإقرار بالخطايا، كما هو معروف في كتاب ثيسنيروس Cisneros

قراءة في كتاب روحي.
إعمال الفكر في أسرار آلام الرب أو في خطاياها أو في الخلائق أو في سرعة زوال العالم (تقرير 1،4).
هذه الرياضة تُقام ساعتين يومياً صباحاً ومساءً.

نلاحظ أنّ هذه الطريقة التي تقرّ تريزا بأنها كانت تتّبعها، تفتقر إلى ما تلحّ عليه كتبُ التأمل وهو الدعوة إلى أعمال الإرادة برفع ابتهالات وصلوات تعبّر عن حبِّنا لله والشوق إلى الإتحاد به بالتطلّع والرغبة في عمل مشيئته.

كما أنّ تريزا لا تنفكّ تتذمّر من قصورها عن النجاح فيها، وقد سبّبت لها كثيراً من الآلام واليبوسة وتشتّت الذهن والمخيّلة، "إذ تحوّل تأمّلها إلى عذاب دائم".

وسنة 1538 اهتدت إلى ضالّتها. فقد أُخرجت من الدير مريضةً للإستشفاء في منطقة ريفيّة. ولدى مرورها على عمّها التقّ بدرو في أورتيغوسا Ortigosa ، أهداها كتاب الأبجدية الروحية الثالثة لأوسونا، وقد تكلمنا عليه. وما أن بدأت تطالعه حتى سُرَّت أيّما سرور بهذا الكتاب الذي يحاول تعليم التأمل والإختلاء...

"وعزمتُ على أن أتبعَ بكلّ قواي الطريقة التي يوصي بها" (سيرة 4، 7). "وسرعان ما شرع الرب يدلّلني في هذا الطريق حتى أنه حباني نعمةَ تأمل السكينة وأحياناً تأمل الإتحاد". وهما نعمتان ساميتان جداً في طريق التأمل. فكأن تريزا ارتاحت جدّاً إلى هذه الطريقة التي بدّدت عذابها السابق. ومع ذلك تكتب، في أماكن عدّة من كتاب السيرة، أنها مدة 18 سنة لم تتعلم التأمل ولم تجد مرشداً يفهمها.

لقد أراحت طريقة أوسونا حقّاً الراهبة تريزا إذ وفّرت عليها إعمالَ العقل المرهق "وعقلُها بليد"؛ وألحَّت عليها بممارسة أفعال عاطفيّة، وهذا ما يلائم طبعها كل الملاءمة. لكنَّ التماسَها بإلحاح التعزيات الروحية وحصرَ أمانتها على التأمل بهذه المشاعر الرقيقة وفيضِ الدموع، عندما تتوافر، أضرَّها أيَّما ضرر، إذ جعلها تعاني أوقاتٍ طويلةًُ من اليبوسة والملل مما أقعدها عن متابعة عزمها. فراحت تتراجع، وتنتقل من أُلهوَّةٍ إلى أُلهوَّة (سيرة 1،7)، وتجاري الأخوات في عاداتهنّ، كالمحادثات في قاعة الاستقبال، والحياة المرفّهة والخروج من الدير...ورغم هذا التقلّب ظلّت تحاول العودة إلى التأمل لأن الله لم يحرمها مَن يذكِّرُها بأمانته.

وقدّر لها أن تطَّلع على طريقة التأمل الأغناطية، سنة 1555، عن يد راهب يسوعي شاب هو دييغودي ثتينا Diego de Cetina، وكانت منن الربّ الخارقة قد بدأت تُفاض عليها، وتسبِّب للمرشدين حيرةً وشكوكاً. فأصغى هذا الراهب إليها، وفهم بدقّة ما تعاني فأرشدها بلطفٍ وداية؛ وأشار عليها:
بالعودة إلى التأمل كل يوم في مرحلة من آلام المخلص.
بمقاومة الإختلاء والعذوبات حتى إشعار آخر.
بالتفكير في ناسوت المسيح.
بالطاعة للمرشد.
بممارسة بعض الإماتات البسيطة تدريجياً (سيرة 16،23).

نقطة تحوّل: اختيار التأمل نهائياً
لم يكن سهلاً أن تختار طريقَ تأمل الاختلاء منهجاً روحياً لها ولبناتها ولكلِّ من ابتُليَ مثلها "بذهنٍ بليد ومخيّلة شرود". فإضافة إلى حربها ضد ذاتها لتمارسه، عانت من حرب لمرشدين عليها وعلى "شياطينها"، وحرب محكمة التفتيش على المتنوّرين، وحرب اللاهوتيّين أو "المثقفين" على الروحانيّين، متّهمين إياهم، بكشف أسرار التطلّع العسيرة "لأشخاص بسطاء وزوجات النجارين". وقمةُ هذه الحرب نشرُ لائحة فرنان فلديس التي تمنع الكتب الروحية باللغة الاسبانية سنة 1559، وأكثرها كتب تعلّم التأمل. وأدهى ما في الأمر أنّ الشكوك راحت تحوم حول كلِّ من يمارس التأمل أو يعلّمه أو يكتب فيه

فما كان موقف تريزا في هذه الحرب، وهل كان يمكنها أن تقف موقف الحياد؟
نقول اليوم إنها خاضت الحرب بعزم وانتصرت لأنّ المحارب فيها هو آخر، وهو مَن اختار لها التأمل الصوفيّ، وكيف؟
بازدياد منن الله لها وخاصة منه رؤية الكاروبيم يطعنها في قلبها ويشعله بنار حبّ لا تطفأ (1560).
بإصرارها ضد معظم مرشديها المشكّكين، على أنّ الظواهر الخارقة فيها هي من الله، لأن كل شيء فيها يدل على ذلك.
بتبنّي إنشاء دير تقف الراهبات أنفسهنّ على ممارسة التأمل بالفقر والطمأنينة.

بإقدامها رغم الصعوبات والمعاكسات على تأسيس دير القديس يوسف في آفيلا حسب القانون القديم لممارسة التأمل وعيش الفقر الشديد.

باستجابة طلب راهباتها في الدير المذكور تعليمَهنّ ممارسة التأمل رغم غضب اللاهوتيّين واختفاء الكتب الروحية عن التداول. فتكتب لهنّ "طريق الكمال"، وتعلّمهنّ التأمل على طريقتها بدءاً بالصلاة اللفظية أي صلاة الأبانا؛ وتحتجّ بشدة دفاعاً عن النساء وعن الكتب التي طالعتها، وعن التأمل. وتقول في صيغة الكتاب الأولى : "هذا الكتاب لن يستطيعوا انتزاعه منكنّ". ولم يضرّ حضورُ المسيح مريمَ أمَّه التي كانت تتأمل فيه ليل نهار: أَوَليست هي أيضاً امرأةَ نجار؟

طرائق ذكرتها في كتبها
إذا كانت مسيرة تريزا في التأمل رغم تقلباتها تتجه نحو الإختزال والتبسيط كما يقتضي الإختلاء والإرتقاء إلى المشاهدة السامية، فإنّ تعليمها يحمل طابع التنوّع والتوسّع؛ وبما أنها تضايقت من منهجيّة الكتب وصرامة المعرّفين، فلم تحرص في كتاباتها على ذكر طريقة واحدة، وإن كانت تبدي إيثارها لهذه على تلك. فنتيجة لاختبارها العميق وماناتها الشديدة فقد آثرت لبناتها الحرّية مع العناء، على طريق منهجيّ سويّ لا يترك لله حريّة العمل. فكيف يمكنه العملُ ورفعُ النفوس إلى الإتحاد به إن أغلقت، هي، في وجهه بابَ اللقاء الحيّ وانحبست في عنادها ورفضت أن تصدِّق أن بإمكان الله صُنعَ المعجزات فيها رغم إنكار الفهماء وحذر المشكّكين ؟ سنستعرض إذاً الطرائق التي ذكرتها في كتبها، ونتوقف بنوعٍ خاصّ عند طريقتها المفضلة.

الصلاة اللفظية
إنه واجب على كل مسيحي أن يمارسها منفرداً أم مشاركاً في جماعة رهبانية أم في رُتَبٍ كنسية. ولكن ما قيمة الكلمات دون انتباه الذهن؟ فإذا حَرَّمَ القضاةُ على الراهبات ممارسة التأمل، فلهنَّ في الصلاة اللفظية مخرجٌ لائق. "يكفي أن نفكّر في مَن يسمعنا ومَن هو أبونا ونفطن إلى ما نقول له حتى تصبح اللفظية تأملاً". والخبرة خيرُ دليل على ذلك. ولهذا السبب تشرح تريزا صلاة الأبانا، كما فعل كثيرون قبلها، بطريقة تُدخِل في التأمل، وتأمل الإختلاء. وتوصي الجميع بالعودة إلى هذه الصلاة من وقت لآخر.

القراءة البطيئة
لقد مارست هي نفسها هذه الطريقة واستفادت منها أية إفادة في أوقات اليبوسة. لا بل إنّ الكتب الروحية تساعد على جمع الفكر والإختلاء. لكن يجب أن تصحبَ القراءةَ الصلاةُ، فنتوقّف من وقتٍ لآخر لنناجيَ الذي يتمُّ لقاؤنا به عبر الكتاب. والأفضل أن يكون كتاباً يحوي تأمّلاتٍ وأفكاراً يستعين بها مَن لا يستطيع التفكير والإستنتاج؛ فالكتاب هنا ركيزةٌ للإنطلاق ودرعٌ ضدّ الكسل والتشتّت.

الصلاة الفكرية
قلّما تشرح الطريقة بترتيب جميع أقسامها، بل تكتفي بذكر ميزتها وفوائدها. "إنها طريقة مفيدة وجيّدة للذين يستطيعون إعمال الفكر"،..."والمثقفون خاصة" (سيرة 4،12)، وتعرضها في صيغ عديدة:

التأمل في أسرار الآلام
"طريقة التأمل التي يجب أن يبدأ بها الجميع ويتابعوها وينتهوا إليها: لنتأمل سراً من أسرار الآلام : يسوع مربوطاً على العامود. فالعقل يمضي باحثاً عن دوافع هذا التعذيب، وعن الآلام والحزن التي عاناها جلّ جلاله في تلك الوحدة، وأمورٍ أخرى كثيرة يمكن أن يستخرجها العقل من هذا المشهد إذا كان يعمل" (سيرة 12،13).

وتنصح "الذين يبالغون في استخدام العقل فيستنتجون من موضوعٍ تصوراتٍ وأفكاراً كثيرةً: ألاّ يقضوا وقت التأملكلّه في التفكير"، بل "فليتمثّلوا ذواتهم في حضرة المسيح، وليناجوه ويُفصِحوا عن سرورهم بقربه دون أن يُجهِدوا العقل ويُتعِبوا أنفسهم بصياغة خطب..." (سيرة 11،13). فليمارسوا النهج حيناً وذاك حيناً آخر.

نلاحظ هنا أنها تحاول شرح الطريقة، وتمزجها من عندها بأسلوب خاص هو الحديث الودّي.

طريقة الدرجة الأولى
"مَن كان في هذه الدرجة...
يمكنه أن يتمثل ذاته في حضرة المسيح،
ويتعوّد أن يهيمَ بناسوتِه المقدس،
ويستحضرَه دائماً
ويخاطبَه،
ويسألَه ما يحتاجه،
ويشكوَ إليه همومَه،
ويفرحَ معه حين يكون مستغرقاً في أفراحه فلا ينساه بسببها،
ولا يحاولْ مخاطبته بصلواتٍ متكلّفة، بل فلتكن كلماتُه مطابقةً لرغائبه وحاداته".

"إنها لطريقة ممتازة للإستفادة منها بأسرع ما يكون. فمن جدّ في العيش بصحبة هذا الرفيق العزيز، وأحسنَ الإستفادة منها، واستمدّ منها حبّاً صادقاً لهذا الربِّ الذي ندين له بالكثير الكثير، تقدَّمَ أيَّ تقدُّم، برأيي، في طريق التأمل" (سيرة 2،12).

"وهذه الطريقة، (بتمثّل الذات في حضرة المسيح وصحبته)، تفيد في جميع الحالات، وهي وسيلةٌ مضمونةٌ كلِّ الضمانة للتقدّم في الدرجة الأولى من التأمل وللوصول في وقتٍ وجيزٍ إلى الدرجة الثانية". (سيرة 3،12).

طريقة المبتدئين
"...يتعبون في جمع حواسِهم التي اعتادت التشتّت،
وعليهم اجتنابُ رؤيةِ شيء أو سماعِه، أو عملِه، بالأحرى، في ساعات التأمل، بل أن يلزموا الوحدة والعزلة، ويفكّروا في حياتهم الماضية..."
"وعليهم أن يسعوا للتأمل في حياة المسيح وإن كان ذلك يُتعب العقل..." (سيرة 9،11).

طريقة كالخبز في الطعام : معرفة الذاتbr/> "يجب ألاّ تُهمَلَ البتة معرفةُ الذات.br/> "فتذكُّر خطايانا ومعرفةُ الذات هما الخبزُ الذي يجب أن نتناولَ معه سائرَ الأطعمة، مهما طابت مذاقاً، في طريق التأمل هذا، ومن دونه لا تستطيع النفوس أن تتغذّى". (سيرة 15،13).

طريقة طرح الأسئلة
أعود إلى حديثي عن التأمل بالمسيح مربوطاً إلى العمود فأقول:
يستحسن أن نفكِّر برهة ونتأمل العذابات التي قاساها هناك، ولماذا قاساها، ومَن هو الذي تحمّلها، وبأيَّ حبٍّ كابدها. لكن لا نتعبنّ أنفسنا دائماً في البحث عن هذه الإعتبارات، بل يكفي أن نبقى هناك معه، منقطعاً عقلُنا عن التفكير" (سيرة 22،13).

هذه الطريقة تذكِّرنا بأسئلة توما الكمبيسي، وقد انتقلت إلى كتب التأمل جميعها، ونجدها موسَّعة في كتاب لويس دي غرانادا، وقد أشرنا إليها سابقاً.

طريقة النظر والحديث
"وإذا أمكن فلنُشغل العقل بأن ننظرَ أنه ينظر إلينا، ونرافقه، ونخاطبه، ونسأله، ونتواضع أمامه، ونبتهجَ برفقته، ونقرَّ بأننا لسنا أهلاً لأن نكون هناك" (سيرة 22،13). وقد خصَّت بهذه الطريقة فصلاً من كتاب طريق الكمال.

تأمل مواضيع عامة
"كما أنّ في السماء منازل كثيرة، كذلك هناك طرق كثيرة:
فالبعض يستفيدون من تصوّرهم أنفسهم في جهنم.
ويستفيد البعض ممن يحزنهم التفكير في جهنم، بتصوّر أنفسهم في السماء.
والبعض الآخر يستفيد من التفكير في الموت.
آخرون إذا كانوا رقاقَ القلوب، يتعبون من التأمل دائماً في الآلام ويتمتعون ويستفيدون من النظر في قوة الله وعظمته في الخلائق وفي الحبّ الذي أحبنا به والذي يتمثّل في جميع الكائنات. إنها لطريقة رائعة، إذا لم يُهمَل التأمل في حياة المسيح وآلامه"...(سيرة 13،13).
التأمل بامور السماء وآياتها، وبالله وحكمته العظيمة (سيرة 4،12).

الإعتماد على الكتب
تذكِّرُ راهباتها في كتاب طريق الكمال: "بأنَّ العقول المنظَّمة والنفوسَ الدَرِبَة، القادرة على الإختلاء بذاتها، لديها كتبٌ كثيرة غاية في الإتقان، دبَّجها أشخاصٌ قد يبدو إزاءَهم حماقةً أن تأخذوا برأيي في شأن التأمل؛ فبحوزتكنّ، كما قلت، كتبٌ وُزِّعت فيها، على أيام الأسبوع، أسرارُ حياة المسيح وآلامه وتأملات في الدينونة والجحيم، وفي أننا عدم، وفي كثرة ما ندين به لله؛ وهي ممتازة في تعليمها ونُصحها لبدءِ التأمل وإنهائه. فمن استطاعَ واعتادَ اتّباع هذه الطريقة في التأمل، لا بدّ من الإقرار بأنه، عبر هذا الطريق المأمون، سيفضي به الرب إلى ميناء النور، وحَسَب هذه البدايات الصالحة تكون النهاية؛ وكل الذين يسلكون هذا الطريق يجدون راحةً وأماناً، لأنه إذا ضُبِطَ العقل نسير بارتياح..." (طريق الكمال 1،19)

ملاحظة:
ولدى عرض كل طريقة، تعقِّب القديسة دوماً بأنّ هذه الطريقة صالحة لمن استطاع إعمال العقل، أو بصيغة شبيهة، تبدو معها تريزا كأنها تتحسّر على حرمانها من طاقة عقلها. فلا تخدعنّ بهذه الإعتبارات السهلة، لأن تريزا لم تصف هذه الطرائق إلاّ من باب العرض الواسع الشامل وبغية إيفاء الموضوع حقَّه، ورغبةً في إرضاء مرشديها. قد نظنّ أنها لا تكتب إلا لمن كانوا مثلها "بليدي العقل"، "جهّالاً" أغبياء، بسطاء"...

تأمل الإختلاء
أما إذا أنعمنا النظر في دوافعهما العميقة، وتحرِّينا أسباب اختيارها الصريح لتأمّل الإختلاء لوجدناها ماضيةً في عزمها، صريحةً في مقالها، جادّةً في تحريضها، خبيرةً في تعليمها، غيورةً على إظهار نير الربّ ليِّناً وحملِه خفيفاً. قتريزا لا تعلّم إلاّ ما خَبِرَت، وأفضلَ ما خبِرَت. وأيةُ غايةٍ أفضلُ من الاتحاد الأسمى بالله؟ وأيُّ معلم أفضل ممّن يعلّم الطريقَ الأقصر والأسرعَ إلى هذا الهدف السامي؟ فتأمّل الإختلاء، كما يقول أوسونا، "هو الكريق الأقصر والإستعداد الأسرع لتلقّي محبّة الله وأفضاله، ولأنّ النفس تسمو به أكثرَ نقاوةً وأخلصَ حبّاً لله...بالحبِّ الذي كلما اشتدّ كلّما قلَّت كلماتُه... وبالصمتِ يأتي عظائم" (أوسونا).

مفهوم التأمل عند تريزا ليسوع الأفيليَّة
تقول في كتاب السيرة:
"ما التأمل في رأيي، إلاّ حديثُ صداقةٍ نُجريه غالباً على انفراد مع مَن نعرف أنّه يُحبُّنا". (سيرة 5،8).

هو حديث أي حوار وكلمات تُوَجَّه إلى شخصٍ حيٍّ بصيغةِ المخاطَب الحاضِر لا بصورة الغائب؛ هو حوار Dialogue وليس حوار مع الذات Monologue، بل الحاضر يجيب في الأعماق وعندما يشاء.

صداقة: هذا الحاضر أكنّ له حبّاً عميقاً صافياً كحبِّ الصديق لصديقه، فأُحدِّثه بثقةٍ ودالّةٍ وجرأة.

نجريه على انفراد: تعبير عن العزلة المادية بالمكان والأجواء الهادئة، والعزلة الباطنية باستجماع القوى النفسية في موضوع الحبّ أو في ذات المحبوب.

"وهدف الإختلاء هو أن يقودَ النفس إلى هيكل الله الحميم".(P. Marie Eugène)

مع مَن نعرف: هذه المعرفة تتأتّى من الإيمان، ومن الذاكرة التي تعيد إلينا ما صنعه الله لأجلنا بالخلق أو بالفداء,

أنه يحبّنا : وجودُ الله ليس مجرّدَ وجود، بل حضورُ مُحبّ، حضورُ شخصٍ حبيبٍ يحرّك حضورُه أعماق الصديق الوجدانية فيستجيب لنداءِ الحبّ.

برهان عملي
تدافع تريزا عن مفهومها للتأمل ببرهانٍ علميّ. فالفرق الكبير بين الله السامي الجلال والقداسة وبين الإنسان الخاطىء والعدم، يجعل الحوار بين الإثنين شاقاً جداً إن لم يكن مستحيلاً. لكن الأهمّ ليس المساواة المستحيلة بين الله والإنسان، بل أن يتبصَّر الإنسانُ في عِظَم حبِّ الله له، وأهميّة صداقة الإنسان لله. والمبتدىء بحاجة إلى أن يتعرّف الطريقة الأنفع له؛ وذلك كلّه يتمّ في التأمل وبواسطته.

مختصر طريقة الإختلاء
الإستعداد العادي: برسم إشارة الصليب وفحص الضمير والإعتراف بالخطايا ومعرفة الذات والإنسحاق أمام الله.

استجماع القوى: تستجمع النفس قواها جميعاً وحواسَّها المشتّتة وتدخل في ذاتها Entrar en sì مع الله المقيم في داخلها (طريق 4،28).

فقد أعلن المسيح في الإنجيل أنّ الثالوث يقيم في المؤمن (يوحنا 14،23). ومن أفضل الوسائل لاستجماع الفكر: كتابٌ صالح، صلاة لفظية، صلاة الأبانا، ممارسة التناول، صورة جذّابة، إغماض العينين، العزلة، الصمت، تركيز الفكر في المسيح...

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ جميع الطرائق التي ذُكرت، قد تساعد على استجماعِ قوى النفس؛ لكن يجب الإقرار مع تريزا أنّ هذا العمل يفوق عادةً طاقةَ الإنسان البشرية.

تمثُّل الذات في حضرة المسيح
هذه الحقيقة الإيمانية الموضوعية تتمثلها المخيّلة قدر المستطاع، وتعبّر عنها تريزا بأسلوبٍ عاطفيّ إذ تقول:

"إذ نرانا وحدَنا فلنبحث عن رفيقٍ، وأيُّهم أحَبُّ إلينا من صحبة هذا المعلّم الصالح؟".

"وإزاء هذا الحضور تتساءل النفس : مَن هي ؟ وإلى مَن تتكلم، وماذا تطلب، وممّن تطلب؟" ( 1 منازل 7،1).

فالإختلاء الذي تدعو إليه تريزا ليس كسلاً فكرياً، يُفرِّغُ الفكرَ من كل شيء، بل تصويب القوى كلِّها نحو الصديق الذي يجذب إليه القوى الروحية والنفسية كلّها، وكلاًّ منها بطريقتها الخاصة. فالحضور أمام هذا الصديق مدعاة للحوار والمناجاة.

وربما يقتصر تأمل الإختلاء على النظر إلى المسيح ينظر إلينا، وتريزا تحثُّ بناتِها على الشخوص إليه، وتثبيت النظر فيه. وبالتركيز على النظر الباطني يصبح تأمل الإختلاء تطلّعاً. أوَليس التطلّع Contemplation، النظر إلى طلعة المحبوب نظرة حب؟ فقد بدأ التطلّع ببدء التأمل والإختلاء، شرط أن نستطيع تحمّل قوة نظر الله.

وليس من الضروري إجهادُ المحليّة كثيراً للقيام بهذا الإستحضار، بل يكفي "انتباهٌ بسيطٌ لطيفٌ إلى الله وحده" (أوسونا). ونلاحظ أنّ هذه الطريقة في تأمل الإختلاء تُدخل الطريقة التريزية مباشرة في إطار التطلّع ممارسةً وغاية.

الحوار الودّي
تأمل تريزا هو وقت الحوار أو الحديث الودّي. فلا فائدة من كل الأعمال السابقة إن لم تبلغ بنا الى الحوار.

"فالتأمل لا يقوم على كثرة التفكير، بل على كثرة الحبّ"، وكل ما يدفعنا إلى أن نُحبَّ أكثر، فلنفعلْه (4 منازل 7،1).

وهذا الحوار قد يتمّ بطريقتين حسب الحالة:
عندما تندفع العاطفة يتم الحوار بيُسرٍ فتسكب النفسُ ذاتَها أمام الله.

وقت اليبوسة تجفّ القريحة. ويجب استعمال العقلِ وطاقاته، والمخيّلة وصُوَرِها كي تتَّقد الإرادة، فتبادر إلى الحوار الودّي.

وفي هذا الباب تندرج طرائق التأمل التي ذَكَرَتْها. قهي وسائلُ إنسانية توقظ الحبَّ ليبادرَ إلى الحوار الودّي. والتامل الناجح ليس الوقت الذي فيه تتحقَّق تأملاتٌ دقيقة أو تَتِمُّ الخطوات العمليّة بحذافيرها، بل ذاك الذي أتاحَ لنا ممارسة حبِّ الله. وأفضل السبل لذلك التأملُ في آلام المسيح.

ممارسة استحضار الله
هذا ما تلحُّ عليه العادات الرهبانية، وهو استمرار أو امتداد للعلاقة الحميمة في أثناء النهار، ومزاولة عناصر الإختلاء وسط الإنشغالات، و "بين الطناجر" كما تقول تريزا، فنتذكر في لحظةٍ عابرة من يصحبنا دائماً، ونعبِّر له عن حبِّنا بفعل إيمان أو بصلاةٍ قصيرة سريعة عُرفت بالصلاة السهمية: Oraison jaculatoire, ou acte anagogique

وتؤكد تريزا أنَّ مَن سلك هذا الطريق يصل بسرعة إلى الغاية أي الإتحاد بالله؛ ولأن الله يُسرع فيفيض نِعَمِه على عبده ويرفعه إليه، "فلا يرفعنَّ أحدٌ نفسه"... أي هنا تبدأ مراحلُ التأمل الفائقة الطبيعة، أو الدينامية الباطنية، التي يطغى عليها عملُ الله؛ وقد برعت تريزا في وصف مراحلها وتقلّباتها وأحوالها وتجاربها.

هنا أيضاً النفسُ بحاجةٍ إلى دليلٍ خبير؛ فكأنَّ هَمَّ تريزا ليس تعليم الإختلاء بل إعداد النفوس إلى تلقّي انسكاب نِعَمِ الله، فتصف التحوّلات بدقة، وتُكثر من النصائح لئلا يضلَّ أحدٌ في مجاهل هذا الطريق. فإلى هذه المعلمة نقودُ القارىء بدورِنا، ونُنهي بحثَنا بميزات طريقة التأمل التريزية.

Saint
Joseph Epoux de la V. Marie

Sainte
Thérèse de Jésus (d’Avila)

Saint
Jean De La Croix

Sainte
Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

Sainte
Thérèse-Bénédicte de la Croix

Sainte
Marie de Jésus Crucifié

Sainte
Elisabeth de la Trinité

Bienheureuse
Thérèse Marie de la Croix

Saint
Raphael Kalinowski

Bhx. Fr.
Marie-Eugène de L'Enfant Jésus

Autre Saints

les Saints du Carmel

Carmel Kids