Page d'accueil Nos saints
Sainte Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face
Sainte Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

تريزيا الطفل يسوع والوجه الأقدس الكَرمَليَّة
1873 - 1897
عيدها في 1 تشرين الأول

كتابة الأب ألبير أبونا الكرملي

انها الراهبة الكرملية الشابة التي تمكنت في وقت قصير من البلوغ الى ذرى القداسة، لأنها اعتمدت في ذلك على قوة الله التي استقتها من ايمانها وثقتها الكلية بمحبته الأبوية اللامتناهية. فهي سارت في درب القداسة واقتفت آثار امها الكبيرة القديسة تريزة الأفيلية واستلهمت تعاليم ابيها الروحي القديس يوحنا الصليبي حتى صارت قديسة مثلهما. فهؤلاء الثلاثة ليسوا قديسين كبارا في نظر رهبنتهم فحسب، بل هم عمالقة الروح والتصوف في نظر الكنيسة كلها. اما تريزة الصغيرة، فقد جسدت حياة التصوف في صيغة بسيطة، وجعلتها في متناول النفوس الصغيرة التي تعجز عن اتباع الطرق الروحية المعقدة. انها القديسة التي عرفت ان تبتسم دوما، بالرغم مما تخفيه هذه الابتسامة من الصلبان والصعوبات. وعرفت ان تكون سعيدة حتى في وسط الظلمات الدامسة التي اجتازتها. ذلك لأنها استسلمت بكليتها الى الله ابيها وهي راضية بكل ما يريده لها، لأن كل ما يريده يؤول الى خيرها، حسب خطة المحبة التي رسمها لها هذا الاب الكلي الحنان والرحمة...
ليتنا نتعلم منها هذه الثقة الهادئة برحمة الله ومحبته، ونسير مثلها على درب القداسة معتمدين مساعدة الله في كل حين...

حداثتها
في رواية حياة تريز الطفل يسوع نعتمد خصوصا ما كتبته هي نفسها في كتابها "تاريخ نفس"، وهي قصة حياتها وضعتها نزولاً عند رغبة رئيساتها وأنهت فصولها الاخيرة قبيل موتها.

ولدت تريزة في 2 كانون الثاني سنة 1873 في بلدة "النسون" الفرنسية، في حضن عائلة ضمت العديد من البنات والبنين. وكانت هي الاخيرة بين الجميع، وقد رجا والدها لويس ووالدتها زيلي غيران ان يرزقهما الله بصبي. الا انهما تقبلا عطية الله بامتنان ومحبة. كان الوالد يصلح الساعات ويتاجر بها. اما الوالدة فكانت بارعة في الاعمال اليدوية، لا سيما بصنع "الدنتيلة". فكانت العائلة تعيش في رخاء مادي ويسودها جو من التفاهم والمحبة العميقة. ولم يعش للعائلة سوى خمس بنات، اما الآخرون فقد رحلوا الى الابدية في سنهم المبكرة. وعكف الوالدان على تربية بناتهما تربية مسيحية اصيلة.

اضفت تريزة الصغيرة طابعاً لطيفا على الجوّ العائلي بحضورها وجمالها، وكانت موضع فرح والديها وأخواتها الاربع اللواتي كن يتهافتن عليها كلما استيقظت من نومها. الا ان صحة الصغيرة الواهية اصبحت مصدر هموم للعائلة. فاستنجدت والدتها بفلاحة لكي تحتضنها وترضعها وتهتم بها، الى ان تحسنت صحتها واشتد جسمها الصغير، واخذت صيحاتها وضحكاتها ترن في ارجاء المنزل والحديقة. وكانت الطفلة رقيقة حلوة بجدائل شعرها الاصفر الجميل، وهي لا تفتأ تغرد كالعصفور طيلة النهار وتسعد اهل الدار كلهم بتصرفاتها وكلماتها. واذا كان الوالد يحب بناته الاربع الكبيرات وهن: ماري وبولين وسيلين وليوني، فإنه كان يخص الصغيرة تريزة بمحبة اعمق ويدعوها "ملكته الصغيرة".

نشأت تريزة في جو عائلي متدين الى الغاية، وتعرفت الى المسيح في سن مبكرة وأحبته من كل قلبها. ولم تكن السنون الا لتزيدها تعلقا وهياما به.

باكورة الآلام:
كانت زيلي والدة تريزة تشعر منذ عدة اوام بمرض خبيث في صدرها، وقد اشتدت وطأته عليها وهي تتحمل الآلام بصبر وشجاعة، الى ان انهارت صحتها وتمكن منها السرطان، فقضى عليها في 28 آب سنة 1877. وكان اول احتكاك تريزة بالألم حينما قبلت جبهة والدتها الباردة التي لن تجيبها مذ ذاك بحنانها وعطفها الوالدي...

سبّب هذا الموت صدمة لنفس تريزة الرقيقة، وفارقها مرحها وزالت سعادتها وأصبحت سريعة التأثر لأتفه الاسباب. واضطر الاب الى ترك منزله ونقل العائلة كلها الى بلدة "ليزيو" ليضع بناته في رعاية خالهن وزوجته وبناته، ولكي يزيل عنهن جو الكآبة المهيمن على المنزل في "النسون". وقد شق الامر على الوالد المسكين الذي كان قد الف النسون ومنزله وأصدقاءه فيها. ومع ذلك فقد فضل سعادة بناته وخصّص حياته لله ولتربيتهن، وكف عن كل عمل آخر. وفي ليزيو ، سكنت العائلة في بيت اطلقوا عليه اسم "بويسونيه" وهو اشبه بفيلا رائعة المنظر تحيط بها الادغال والاشجار.

قامت البنت الكبيرة ماري بإدارة المنزل، بينما اهتمت بولين بتريزة الصغيرة المحرومة عطف الأم وأصبحت لها بمثابة تلك الام تقود خطاها في طريق الفضيلة وتعلمها القراءة والكتابة. اما والدها فكان كثيراً ما يأخذها معه الى النزهة، فيزوران في طريقهما الكنيسة، ثم يعودان معا الى البيت، فينصرف الوالد الى قراءاته التقوية. بينما تتلهى تريزة باللعب في الحديقة. اما في المساء، فكانت العائلة تجتمع كلها في غرفة الاستقبال حول مصباح كبير وينصرف كل منهم الى هوايته وأشغاله. وتريزة لا تفارق حضن والدها الحنون. ثم يختمون النهار بصلاة جماعية يرفعونها الى الله شاكرين له أفضاله ونعمه، وبعد ذلك يأوي كل منهم الى فراشه. وكانت تريزة تهوى الثلج وغروب الشمس بألوانها الجميلة، وجمال الزهور وتألق النجوم. وقد تبيّنت يوما في احدى مجموعات النجوم الحرف الأول من إسمها (T).

وحينما رأت البحر لأول مرة سنة 1878، أثر فيها منظره وذكّرها بعظمة الله اللامتناهية وبقدرته الفائقة، وقالت بعد ذلك:

"... وعندما مالت شمس ذلك اليوم الى المغيب وراء المحيط الجبار، جلست مع بولين على صخرة منفردة فشبهتْ لي اختي تلك الخيوط الذهبية بنور النعمة الذي يضيء القلوب المحبة لله. فتخيلت قلبي كقارب صغير يمخر بشراعه الابيض على هدى ذلك الضوء السماوي، وقررت الا ابتعد عن انظار يسوع حتى اصل الى سر الخلاص".

وكم كان سرورها عميقا باشتراكها في الاحتفالات الدينية وبزياح القربان ونثر الورود نحو الشعاع.

مرضها:
حين بلغت تريزة الثامنة من سنيها، قرر والدها ان يضعها في مدرسة للراهبات لكي تتلقى العلوم والتربية الدينية. الا ان المسافة بين المنزل ودير الراهبات البندكتيات كانت طويلة لمثل هذه الطفلة الصغيرة. ومع ذلك فقد ترددت مع اخواتها على المدرسة منذ تشرين الاول سنة 1881. وما كان اعظم الفرق بين ما ألفته تريزة في المنزل الوالدي وبين ما تعيشه الآن في هذه المدرسة ذات الطابع الصارم. وكان لهذا التغيير وقع قاس في نفس تريزة، بما فيه من القوانين والطباع والطعام المختلف. وبالنظر الى الفتها للمدرسة بميلها الى الدرس والمطالعة، فقد حققت تقدما سريعا وتجلت عندها مواهب الشعر والرسم وتفوقت على زميلاتها في ميادين كثيرة. الا ان نجاحها في الالعاب كان اقل شأنا منه في الدرس. وهذا ما خلق فيها جوا من الإنطواء على الذات وعدم مشاركة زميلاتها في اللعب. وكانت كثيراً ما تتلهى في اوقات الفرص بالتحدث الى بعض زميلاتها او بالإنزواء في معبد المدرسة للعكوف على الصلاة والتأمل.

في 2 تشرين الأول سنة 1882، دخلت اختها بولين دير الكرمليات في ليزيو. وقد شق على تريزة الصغيرة ان تفارق "امها" بولين. وكم تمنت ان ترافقها الى الدير، ولكن صغر سنها لم يُمكّنها من ذلك. فباتت تتألم صامتة، واعتراها صداع اليم لازمها مدة طويلة، وأخذت صحتها تزداد سوءا، حتى اضطرت الى ملازمة الفراش . ولنترك هنا لها الحديث لتروي لنا ما جرى لها في هذا المرض. فقد كتبت: "اذ رأيتُني محرومة من كل الوسائل البشرية ومشرفة على الموت ألماً، وجهت نظري الى امي السماوية. وسألتها من كل قلبي ان ترأف بي. فتحرك تمثالها فجأة، وأشرقت العذراء مريم جمالا، وتلألأت بهاءً أعجز عن وصفهما، وكان محياها يتدفق دعة ولطفاً وحنانا لا يوصف. على ان ما نفذ إلى أعماق نفسي، هي ابتسامتها الفتانة. ومنذ ذلك الحين اضمحلت آلامي. فانحدرت من عيني دمعتان كبيرتان، سالتا هادئتين...اجل، ان هما الا دمعتا فرح سماوي خالص. ان العذراء المجيدة اقتربت منى وابتسمت لي...فقلت في نفسي: ما اسعدني . ولكني لا ابوح بذلك، لئلا تزول سعادتي. ثم، بدون اقل عناء، خفضت عينيّ فعرفت عزيزتي ماري، وهي تنظر إليّ بحب، وعليها ملامح التأثر الشديد كأنها في ريب من نيلي منذ برهة هذه النعمة العظيمة".

المناولة الأولى:
كانت المناولة الاولى، وما زالت، مسبوقة باستعدادات كبيرة ومحاطة بعناية خاصة يبذلها المربون لتهيئة الصغار للقاء مع يسوع للمرة الاولى. وقد استعدت تريزة لهذا الحدث العظيم وساعدتها اختها ماري على ذلك. فتبعت دروس التعليم المسيحي في الدير بتعطش شديد. وأفادت من كل ما القي على الطالبات من الارشادات الروحية، واجتازت الامتحان بتفوق ، حتى قال عنها المرشد: "اني حاولت ان اربك تريزة في اجوبتها فلم استطع". وكان يلقبها "دكتورته الصغيرة في اللاهوت". وجاء يوم المناولة الاولى، واقتبلت تريزة يسوع لأول مرة. انها تظهر عجزها عن التعبير عن عذوبة هذا اللقاء اذ تقول: "ان من هذه الأشياء ما يفقد رائحته العطرة حالما يتعرض للهواء... ومن الأفكار الباطنية ما لا يمكن التعبير عنه باللغة الأرضية بدون ان يفقد حالا معناه السماوي الرفيع...آه، ما اطيب قبلة يسوع الأولى على نفسي. نعم هي قبلة حب. شعرت اني موضوع حب، فقلت: اني أحبك وأهبك نفسي الى الأبد. لم يطلب يسوع الي شيئا، ولم يفرض اية تضحية. منذ زمن طويل يتبادل هو وتريزة الصغيرة النظرات ويتفاهمان:::اما في ذلك اليوم، فلا يليق ان تسمى نظرة بسيطة، بل اتحادا. فلسنا اثنين: لقد توارت تريزة كما تتوارى قطرة ماء تذوب في قلب المحيط. ولم يبق الا يسوع. فهو السيد والملك. الم تطلب اليه تريزة ان ينزع عنها حريتها، هذه الحرية التي كانت تخيفها. فقد شعرت انها ضعيفة، سريعة العطب، فأرادت ان تتحد بالقوة الالهية الى الأبد...وبغتة فرحت فرحا كبيرا وعميقا لا تستطيع ان تستوعبه، ولم تلبث ان ذرفت دموع الغبطة...". وكان ذلك في 8 ايار سنة 1884. وفي هذا اليوم ذاته ابرزت اختها بولين نذورها الرهبانية. وقد زارتها تريزة في دير الكرمليات عصر ذلك النهار السعيد وأفعم ذلك قلبها الصغير فرحا وغبطة وشوقا الى الالتحاق بها.

الدعوة المبكرة:
حينما بلغت تريزة الثالثة عشرة من سنيها، تركت مدرسة الراهبات وأخذت تتلقى دروسا خاصة على سيدة محترمة. وهناك اختبرت العيش في المجتمعات الراقية، وأخذت ايضا تتردد على منزل خالها وتتعرف الى الشخصيات التي تزور المنزل. وفي تلك الغضون لحقت أختها ماري ايضا ببولين الى الكرمل. وقد جلب لها عيد ميلاد سنة 1886، مع الهدايا التقليدية، هدية اخرى انفس وهي ان تريزة استردت قوة روحها المعنوية التي فقدتها يوم وفاة والدتها، وتخلت عن كل ما يتعلق بالطفولة من الامور التافهة، وهي تقول: "لقد سعدت بعدئذ ودخلت المحبة الحقيقية الى قلبي، فقررت ان انسى نفسي الى الأبد". وشرعت تتفتح على الآخرين لكي ترى احتياجاتهم وتحسن اليهم. وكانت فكرة الدخول الى الكرمل قد نمت في قلبها وأخذت تشتد رغبتها يوما بعد يوم. واذا بها تفاجىء يوما والدها بهذه الرغبة. وكانت تلك ضربة اليمة على قلب الوالد المسكين. ولكنه مسيحي صادق، ولا يريد ان يعيق عمل الله في ابنته المحبوبة. انما حدثها بلطف واستمع اليها بهدوء وهي تعرض امامه تاريخ دعوتها وكيف انها نشأت منذ دخول بولين الى الرهبنة. واذ بهذا الشيخ الجليل يحني رأسه راضيا بهذه التضحية التي يطلبها الرب منه. ولكن موقف الاقارب كان مختلفا جدا. قد قال خالها: "لعل هذه اول مرة في تاريخ فرنسا تدخل فيها فتاة ذات خمسة عشر عاما الى دير الكرمل. اني سأقاوم هذه المهزلة بكل ما لي من القوة ولا بد من اعجوبة حتى ارجع عن تصميمي هذا". وبعد ايام كانت صلاة تريزة قد غيرت موقف خالها، فوافق على رغبتها. الا ان الصعوبات لم تزل من طريق تريزة. وجاءها الرفض البات من قبل الرئيس الكنسي للدير. ودارت مداولات بينه وبين المطران. والتقت تريزة بالمطران في بلدة "بايو" فنصحها بالبقاء مع والدها مدة اخرى.

وبعد ذلك أتيح لتريزة ان تسافر الى روما مع والدها وحجاج فرنسيين آخرين. وادهشها جمال المدينة والآثار المسيحية فيها. وحينما حظي الحجاج بمقابلة البابا لاون الثالث عشر، انتهزت تريزة هذه الفرصة لكي تطلب منه ان يسمح لها الانتماء الى الرهبنة الكرملية في سنها الخامسة عشرة، متحدية بذلك جميع البروتوكولات المرعية في مقابلة البابوات. فقال لها البابا: "افعلي يا ابنتي ما يقرره الرؤساء". وعند إلحاحها في الطلب ثانية، قال لها: "انك ستدخلين ان شاء الله". وأصيبت تريزة هنا ايضا بخيبة الامل، وكانت تنتظر كلمة من رئيس الكنيسة لتزيل عن طريقها كل العقبات. وأصبحت الرحلة الباقية تافهة في نظرها. وعادت الى ليزيو في 2 ايلول، وأخذت تنتظر بفارغ الصبر جواب مطرانها على طلبها. وطال انتظارها. وكانت تشتاق ان تكون في الدير في عيد الميلاد. ولكن الميلاد جاء وعبر. وفاجأها العام الجديد بجواب الام ماري غنزاغا رئيسة دير الكرمل وهي تخبرها بأن المطران كتب اليها يقول انه بعد فحص الموضوع من كل نواحيه، فهو يسمح لتريزة بالدخول حالا الى دير الكرمل. وأضافت الأم غنزاغا انها ترتئي ان تدخل تريزة الدير بعد الصوم الكبير، بالنظر الى صعوبة هذه الفترة لشابة مثلها. وقد تقبلت تريزة هذا القرار بارتياح وشكرت لله هذه النعمة الكبيرة. وأخذت منذئذ تستعد بهدوء وسلام للحياة التي اختارتها تجاوباً مع ارادة الله. وبعد ان عبر عيد القيامة، جاء اليوم الأخير الذي تقضيه بين ذويها. فأقيمت مأدبة فخمة على شرفها ووداعها، اجتمع حولها الاهل والاقارب. وكانت هذه الحفلة هي الوداعية للعالم ومباهجه.

في دير الكرمل
دخلت تريزة دير الكرمل في صبيحة التاسع من نيسان سنة 1888. وهي ترتدي ثوبا من الصوف الازرق. وركعت عند باب الدير امام والدها ليباركها وقبلت اختيها ليوني وسيلين وخالها وعائلته. ثم انفتح امامها باب الدير وتوارت وراءه...وكانت هناك بانتظارها اختاها: ماري للقلب الأقدس وبولين (انييس ليسوع) مع الام الرئيسة وسائر افراد الجماعة الرهبانية. فغمر السلام والفرح قلب تريزة. اذ شعرت بأنها بلغت امانيها ومحطة آمالها في تلك العائلة الجديدة. كان كل شيء يبدو في الدير جميلا في نظرها. فقد أحبت صومعتها الصغيرة الفقيرة التي لا اثاث فيها سوى فراش من القش واناء للماء ومقعد خشبي ومصباح وسلة خياطة وساعة رملية. ان فرحها لن يستطيع احد ان ينزعه منها، مهما كانت الظروف ومهما اختلفت الأطباع.

وكانت الآلام على موعد مع تريزة. فما ان مرت الايام الاولى ، حتى تراكمت الصعوبات على المبتدئة الجديدة: مصاعب من الرئيسة التي تعاملها بقساوة وخشونة ولا تدع فرصة دون ان توجه اليها بعض التوبيخات. ومتاعب من رئيسة الابتداء التي كانت منشغلة عنها ولم تفهمها على حقيقتها. وطالما نسيت ما كانت تحتاج اليه صحة تريزة من الاعتناء. صعوبات من نائبة رئيستها التي كانت تزعجها بأحاديثها الطويلة المملة ولا تدع لها المجال للصمت الداخلي ومناجاة الله في اعماق النفس. ناهيك بالحسد الذي دب في قلوب بعضهن اذ رأين هذه الفتاة الصغيرة الجميلة رصينة في سعيها الى القداسة وفي المحافظة على القوانين بدقة وبساطة...ولكن تريزة كانت تقابل الجميع ببشاشتها العذبة وبسخائها الدائم في تأدية الواجبات وفي خدمة اخواتها. انها لم تجد تعزية روحية حتى عند مرشد الجمعية نفسه. وعندما عرضت رغبتها في القداسة لأحد واعظي الرياضة السنوية وقالت له: "ابت، اني اريد ان اصبح قديسة وان احب الله تعالى كما احبته القديسة تريزة الأفيلية"، اجابها الكاهن: "يا لك من متعجرفة. ابدأي بإصلاح نقائصك وتجنبي الخطيئة وحاولي ان تتقدمي قليلاً كل يوم. واياك والتهور". فقالت له تريزة: "لكني لست متهورة يا ابت، الم يعلمنا الرب في انجيله الطاهر ان نكون كاملين اسوة بأبينا السماوي؟".

اما قراءاتها فكانت تنحصر في التأمل في الانجيل الذي كانت تحمله دوما معها، ومطالعة كتابات القديسة تريزة الافيلية وتآليف القديس يوحنا الصليبي، وهي تحاول التشبع من روحهما. كما انها كانت تميل الى قراءة "الاقتداء بالمسيح". الا انها كانت تفضل على كل شيء قراءة الكتاب المقدس، وهي تقول: "عندما اطالع كتابا في السعي الى الكمال وأرى فيه ما يصادف المؤمن من آلاف الصعوبات. سرعان ما يستحوذ التعب على ذهني الضعيف، فأبادر الى ترك الكتاب الفلسفي جانبا والعودة الى الكتاب المقدس، واذ ذاك تشع الاضواء امام بصيرتي. وقد تفتح كلمة واحدة امام ناظريّ آفاقا غير محدودة، ثم يبدو لي الكمال في متناول يدي متى اقررت بضعفي وارتميت كطفل بين ذراعي الله".

الراهبة
طالت فترة الابتداء، وتريزة صابرة على ذلك وعاكفة على تكميل واجباتها بأمانة، بالرغم مما تتعرض له من الصعوبات في الشغل والطعام واللباس، وبالرغم مما يحز في قلبها من الاخبار التي تردها بشأن صحة والدها المتدهورة. فكانت تقوم بالأعمال التي تأباها الاخوات الاخريات. كالغسل بالماء الساخن صيفا والشطف بالماء البارد شتاء. وكم احتملت من لا مبالاة اخواتها وعدم تفهمهن لطبيعتها الرقيقة وتربيتها اللطيفة. وتعلمت ان تقبل بهدوء الملاحظات التي توجَّه اليها عن اخطاء لم ترتكبها، واعتادت ان تتحمل الخيبة والتقريع الاليم والاكتفاء بما يعطى لها من القليل الضروري... وهكذا هيأت نفسها ليوم النذور الاولى الذي كان في 8 ايلول سنة 1890.

مارست تريزة في الدير اعمالا كثيرة ومختلفة . فهي تارة مسؤولة عن تحضير اللوازم للقداس في السكرستيّا، وكان هذا العمل عذبا جدا على قلبها. هي طورا خادمة للأخوات المريضات حينما ألمَّ بالدير وباء الانفلونذا وأودى بحياة بعضهن. وحيناً تعطي المجال لاظهار موهبتها في الرسم، وآخر موهبتها في نظم الشعر. وفي جميع هذه المجالات اظهرت هذه الراهبة الشابة جدارتها وانتزعت من الجميع الاعجاب والتقدير. وفي وسط كل هذا النجاح، عرفت تريزة ان تبقى بسيطة وتلقائية. وان تكون فوق كل مديح او ذم. دون ان تتأثر بهما البتة.

مع المبتدئات
في شهر شباط سنة 1893، انتُخبت بولين (الأم انييس) رئيسة للدير وهي بدورها عينت الرئيسة السابقة، الام ماري غنزاغا، مسؤولة عن المبتدئات، مع تريزة كمعاونة لها، وهي ما تزال في ربيعها العشرين. فبذلت تريزة نفسها بسخاء في خدمة المبتدئات، وعلمتهن الالتزام بالقوانين، وأصبحت في الواقع هي المسؤولة عن المبتدئات ورئيستهن الفعلية. وكانت تقول لمبتدئاتها: "اني احب القلوب المرحة". وعرفت كيف تحبهن وكيف توبخهن، وتكون في كل ذلك في منتهى العدالة وطبيعية في كل تصرفاتها. وبهذا علمتهن الابتعاد عن التصنع والرياء والازدواجية. انها كانت تفكر في تلك النفوس التي تكفلت بها، وكان شعورها بالمسؤولية كبيرا وراسخا في قلبها. وطالما صلت الى الله وقالت: "ها انك ترى يا رب كم اني صغيرة وعاجزة عن تغذية بناتك. فأعطِ كُلاً منهن ما يوافقها. املأ يدي الصغيرة، فأوزع من كنوزك على من تطلبها، دون ان اترك ذراعك او ان احوّل نظري عنك".

تأريخ نفس
جاءت يوما الام انييس والاخت ماري وجلستا الى جانب تريزة، في احدى فترات الراحة. وراحت الأخوات الثلاث يتحدثن عن ذكريات الماضي وعن ايام الطفولة في النسون ثم في البويسونيه في ليزيو. وكانت تلك الذكريات ماثلة بتفاصيلها في ذاكرة تريزة. واذا بالاخت ماري تقترح بان تأمر الام انييس اختها الصغيرة بتدوين هذه الذكريات العائلية. واقتنعت الام الرئيسة وأصدرت امر الطاعة الى تريزة بأن تخصص لتسجيل هذه المذكرات ما يتوفر لديها من وقت الفراغ. وحددت لها اجلا لتسليم المخطوط...

ارتبكت تريزة قليلا امام هذا الطلب. فهي لا تدري كيف تكتب وبماذا تبدأ. ومن اين لها الوقت لتحرير المذكرات وهي منشغلة بأمور عديدة وبمسؤوليات هامة، فأنى لها ان تجمع افكارها وتنسقها حسب مقتضيات التأليف والكتابة؟ ومع ذلك فقد تجاوبت مع رغبة رئيستها. فكانت تلي قبل ان تمسك اليراع، لكي يبارك الرب الكلمات التي ستدونها، ثم تذهب الى غرفتها، فتجلس على المقعد الخشبي الصغير، فتملأ الصحيفة تلو الأخرى من صفحات الدفاتر المدرسية الصغيرة بخطها الجميل المنسق ...

وجاء الجزء الاول نزولا عند امر شقيقتها بولين (الام انييس)، والكلام فيه متسم بالبساطة والرقة. اما الجزء الثاني فكتبته تريزة اجابة لرغبة الام ماري غنزاغا التي اعيد انتخابها رئيسة بعد الام انييس، وجاء اسلوبها فيه متينا وواضحا ومتسما بحرارة واقتناع وصراحة بنوية. ومن الجدير بالملاحظة ان تريزة، في هذه الفترة كلها، لم تتخل عن اي من واجباتها، من توجيه المبتدئات ومن الأعمال والخدم في الدير. الا ان هذه الاتعاب المتراكمة ارهقتها واثرت على صحتها تأثيراً بالغا لم تلاحظه الرئيسة او انها تغافلت عنه معتبرة اياه تعبا طارئا ولم تخفف عنها اية من مسؤولياتها الكثيرة...

بوادر المرض
جاء الصوم الكبير لسنة 1896، وكان الصوم آنئذ صارما في الاديرة. والتزمت به تريزة بالرغم من تداعي صحتها. وواصلت السير نحو الفصح بخطى جبارة وهي ترغم نفسها على تنفيذ كل الالتزامات بدقة وأمانة. وكان خميس الأسرار، فسهرت تريزة طويلاً في المعبد الى نحو منتصف الليل. ولما عادت الى غرفتها الباردة وأوت الى فراشها الوضيع الخشن اذا بسيل ساخن يتدفق من حنجرتها ويملأ فمها. وإذ كانت قد أطفأت قنديلها، مسحت فمها في الظلام وانتظرت حتى الصباح فوجدت ان المنديل مملوء دما. ورأت في ذلك نعمة كبيرة ونداء واضحا الى الالتحاق بعريسها قريبا. وحضرت الصلاة مع اخواتها الراهبات كالمعتاد، وطلبت الى الرئيسة السماح لها – بعد ان اطلعتها على هذا الحادث – بأن تستمر في الصوم والممارسات الاخرى. وبعد الظهر رأتها احدى المبتدئات وهي تنظف النوافذ وقد شحب لونها وبدت خائرة القوى، فذرفت المبتدئة دموعاً غزيرة وناشدتها ان تسمح لها بأن تطلب شيئا من الراحة. الا ان معلمتها منعتها من ذلك وقالت ان باستطاعتها ان تتحمل تعبا خفيفا في اليوم الذي فيه تألم يسوع كثيراً لأجلها. وجدير بالملاحظة ان اخواتها لم يعلمن بما جرى لها الا في ايار سنة 1897.

وبعد هذا الحادث لزمها سعال شديد اقلق الام الرئيسة، ففرضت على تريزة تناول الادوية التي ازالت عنها هذا السعال او خففت من شدته لمدة بضعة اشهر. وزاولت تريزة اعمالها الاعتيادية دون اي تلطيف او تخفيف . وكانت هذه الابنة الحبيبة تخفي آلامها لئلا تثقل على اخواتها الراهبات. وكثيرا ما كانت في المساء، عندما تعود الى غرفتها، تضطر الى التوقف عند كل درجة من درجات السلم المؤدي الى الطابق الاعلى لكي تستعيد قواها الخائرة، فتصل بعد مدة الى غرفتها منهوكة القوى فتمضي ساعة بكاملها في نزع ثيابها عنها. وبعد هذا التعب الشديد كان عليها ان تقضي الليل على ذلك الفراش الخشن وفي ذلك البرد القارس.

في غمرة الآلام
اشتدت وطأة المرض على تريزة، فاستدعي لها طبيب الجمعية، ثم أحد الاطباء من اقاربها فعالجاها. ولكن بدون جدوى. فإنها مصابة بالسل الرئوي، وقد استفحل الداء حتى تعذرت معالجه بنوع ناجع. وكانت مع ذلك تشتاق الى الالتحاق بدير جديد لرهبنة الكرمل في مدينة هانوي في الهند الصينية (فييتنام). وكتبت عن ذلك في مذكراتها: "اني استمتع هنا في كرمل ليزيو بمحبة الجميع. وانا احلم بدير لا اكون معروفة فيه حيث يتعذب قلبي بألم العزلة. لذلك أرغب في السفر الى هانوي ، حتى اقاسي الكثير من اجل الهي واكون بمفردي دون تعزية ودون اية مسرة ارضية". الا ان تدهور صحتها المستمر جعلها تشعر بعدم امكانية ارسالها الى هانوي. وحينما جاء الشتاء، إشتد عليها الضعف والمرض، وأقر طبيبها بعجزه قائلا:" اني اعتقد بان هذه النفس لم تُخلق لتعيش طويلا على الارض". وقد سمعت تريزة يوما احدى الراهبات تقول: "ستموت قريبا اختي تريزة الطفل يسوع. واني اتساءل الان ما عسى ان تقوله عنها امنا بعد موتها، انها ستكون في حيرة من امرها. لان هذه الابنة الصغيرة، مع ما هي عليه من لطف، لم تقم بشيء يستحق الذكر". وسمعت ممرضتها ايضا هذا الحديث. فقالت لتريزة: "لو اعتمدت على رأي المخلوقات، لخاب الكثير من آمالك اليوم". فأجابتها تريزة: "يسعدني ان الله الكلي الصلاح منحني عدم المبالاة برأي المخلوقات". ثم روت لها قصة من واقع حياتها لقنتها درسا بليغا.

استنفد الاطباء كل تجاربهم العلمية المؤلمة على تريزة المسكينة، بما في ذلك الكيّ بالنار ومحاولة تحويل المرض من عضو الى آخر. وكانت تريزة صابرة على ذلك بصمت واستسلام. ولم تكن تلزم الفراش بصورة دائمة، بل كانت تقضي ساعات من النهار في الحديقة حيث تسند دفترها الى ركبتيها وتواصل كتابة (تأريخ النفس)، مع ما تسببه لها الاخوات من الازعاج... الا ان خطها بدأ يدل على ضعف اناملها التي اصبحت عاجزة عن التحكم في القلم.

وحينما قالت لها المبتدئات يوما: "يشق علينا كثيرا ان نراك تتألمين الى هذا الحد. ونظن انك ستزدادين الما في ما بعد". فأجابتهن تريزة: "لا تغتممن بسببي، فإني قد بلغت الى حد لا استطيع فيه ان اتألم. لأن الألم عندي كله عذب. فضلا عن انكن اخطأتن اذ فكرتن فيما قد يحصل من الم في المستقبل. وهذا تدخل في امر الخلق. فنحن اللواتي نسرع في سبيل الحب. ليس علينا ان نقلق من شيء. فلو لم اتألم بين دقيقة وأخرى، لتعذر عليّ ان الازم الصبر. انا لا ارى الا الحاضر، وانسى الماضي، واحذر من ان افكر في المستقبل...".

وفي الفترة الاخيرة من مرضها، نقلت الى غرفة المرضى، وانتابتها آلام هائلة. وبلغت من الضعف ان لم تعد تستطيع ان تمسك القلم ولا ان تتحرك، وكثيرا ما عجزت حتى عن ابتلاع الطعام...

ليلة الايمان
كان الم آخر من الالم المادي يحز في قلبها. انها في ظلام دامس. انها في ليلة الايمان. وأراد المعلم الالهي بهذه المحنة الأخيرة ان يتم تطهيرها وان يجعلها قادرة على ان تطير في سبيلها الصغير، سبيل الثقة والاستسلام. وقد قالت آنذاك :" اني لا أتمنى الموت اكثر من الحياة. لو مكنني الرب من ان اختار، لما اخترت شيئا. انا لا اريد الا ما يريده هو. وهذا ما يجعلني احب". وطوال شهر آب سنة 1897، ظلت مضطربة تلتمس الصلاة من اخواتها الراهبات ومنذ التاسع عشر من آب حتى الثلاثين من ايلول لم تستطع ان تتناول القربان بسبب نزيف الدم المتواصل. وحينما منحت المسحة الأخيرة في مطلع آب قالت: "لقد فتح باب سجني القاتم. فأنا مرحة، خاصة منذ ان اكد لي ابونا الرئيس ان نفسي تشبه اليوم نفس طفل صغير بعد معموديته".

ان تريزة تشعر بدنو رحيلها، وهي لا تتمالك نفسها من شدة الفرح باللقاء القريب مع الحبيب: "لم اهب الله الكلي الصلاح الا حبا. وسيقابل حبي بحب بعد موتي، سأفيض على الأرض وابل ورود". فما يجذبها هو الحب: "الحب. ان أُحِبَّ وأُحَبَّ، وأعود الى العالم لأجعل الناس يحبون الحب". وقد استعارت عبارات الطوباوي تيوفان فينار وقالت: "لا اجد على الارض شيئا اسعد به. قلبي كبير جدا، لا يقوى شيء مما يدعي السعادة في هذا العالم ان يشبعه. يطير فكري نحو الأزل. لا يلبث الزمن ان ينقضي. وقلبي هادىء مثل بحيرة ساكنة او سماء صافية. انا لا آسف على حياة هذا العالم. اني عطشى الى مياه حياة لا تزول...بعد قليل تغادر نفسي هذه الارض. وينتهي منفاها وينقضع نضالها. فاصعد الى السماء. اصل الى الوطن واحرز الظفر. بعد قليل، ادخل مقر المختارين وانعم بحبور لم تره عين انسان قط، واسمع ايقاعا لم تسمعه اذن انسان، واتمتع بأفراح لم يذقها قط قلب انسان... ها قد وصلت الى الساعة التي يتوق اليها كل منا توقا عظيما. صحيح ان الرب يختار الصغار ليخزي كبار هذا العالم. انا لا اعتمد على اقوالي الخاصة. بل على قوة من غلب، على الصليب، قدرة الجحيم...انا زهرة ربيع يقطفها صاحب الجنينة. ليسر بها. نحن كلنا زهور غُرست على هذه الأرض، ويجنيها الله متى شاء، عاجلا ام آجلا...اما انا الزهرة الذابلة، فإني امضي اولا. سنتلاقى يوما في الفردوس. وننعم بالسعادة الحقيقية".

ومع ذلك فقد كانت تخيم على نفسها ليلة حالكة ومحنة ايمان عسرة. ان نفسها في نفق طويل مظلم، وكأنها لم تر الشمس قط. والظلمات تصيح ساخرة منها: "انك تحلمين بالنور، تحلمين بامتلاك ابدي لخالق جميع هذه المدهشات، وتعتقدين انك ستخرجين من هذا الضباب الذي يكتنفك. تقدمي، تقدمي، وابتهجي بالموت الذي سيعطيك ليس ما ترجينه، بل ليلة ظلمة. ليلة العدم..." آه! ما أقسى هذه الآلام!

النزاع والموت
اشتدت عليها الآلام شيئا فشيئا. وبلغ منها الضعف حتى انها لم تعد تستطيع ان تأتي بأية حركة بدون مساعدة. كل شيء يؤلمها، حتى الحديث الخافت الذي تسمعه. ومع ان الحمى باتت لا تفارقها، فالابتسامة كانت لا تفارق ثغرها. وفي احدى الليالي، زارتها الاخت الممرضة، فألفتها ضامة يديها ورافعة عينيها نحو السماء، وقالت لها تريزة: "نعم يبدو لي اني لم ابحث قط الا عن الحقيقة ...نعم فهمت اتضاع القلب".

وجاء يوم 30 ايلول سنة 1897، وهو اليوم الأخير لمنفاها على هذه الأرض. وبلغت فيه آلامها اقصى ذروتها. وبدت عليها اعراض النزاع في نحو الساعة الرابعة مساء، وأخذ العرق يتصبب من جبينها، وهي تضم المصلوب بيديها الضعيفتين لكي تخوض المعركة الحاسمة. وحينما رن جرس الدير معلنا صلاة التبشير، حدقت تريزة بصورة العذراء تحديقا يتعذر الاعراب عنه، وكأني بها تستعيد في ذاكرتها ما كتبته يوما:

انتِ التي ابتسمتِ لي في فجر الحياة،
ابتسمي لي مرة اخرى، يا أماه، فقد أقبلَ المساء...

وبعد الساعة السابعة، التفتت الى الام الرئيسة وقالت: "اليس هذا هو النزاع، يا أمي؟ الا يأتي الموت بعد قليل؟" فأجابتها الرئيسة: "نعم يا ابنتي، هذا هو النزاع، على ان يسوع يريد، على ما يبدو، ان يطيله بضع ساعات". فقالت تريزة بشجاعتها المألوفة : " وأنا لا اود ان اتألم آلاما اقصر". وفي نحو الساعة السابعة والربع، نظرت تريزة الى الصليب بحنان وقالت: "احبه...يا ...الهي...اني احبك".

هذه كانت كلماتها الاخيرة. ثم أحنت راسها الى الجهة اليمنى وظنت الاخوات انها لفظت انفاسها الأخيرة. الا انها نهضت بغتة وكأن صوتا سريا يناديها، وفتحت عينيها وشخصت بهما الى ما فوق صورة العذراء: والسعادة تملأهما. واستمرت النظرة نحو دقيقة، ثم طارت نفسها والتحقت بالحبيب. وتم فيها ما قاله القديس يوحنا الصليبي عن النفوس التي تذوب في الحب الإلهي:"انهن يمتن في فرح عجيب، وهجمات عذبة يشنها عليهن الحب، على مثال طائر ينشد انشادا عذبا عندما يوشك ان يمت. وهذا ما جعل داود يقول: ان موت الابرار ثمين في عيني الرب. عندئذ تتدفق من النفس انهار الحب، وتسير فتتلاشى في محيط الحب الإلهي".

بعد الموت
اننا نضرب صفحا عن الامور الخارقة التي جرت بعد موتها راسا، والأشفية التي تحققت لأناس عديدين بلمس نعشها او بالاقتراب من جثمانها الطاهر. فإن ما يجلب الانتباه هو هذه العبارة التي كتبتها تريزة في حياتها، وقد كُتبت ايضا على الصيب الذي يعلو ضريحها: "سأقضي سمائي في عمل الخير على الارض". وما ان مرت فترة وجيزة، حتى شرع الناس يتحدثون عن هذه الراهبة التي توفيت في ريعان شبابها. وسرعان ما نشر كتاب "تاريخ نفس" الذي كتبته تريزة عن حياتها وذكرياتها، ثم وُزّع على الاديرة الكرملية في العالم، ومنها انتشر الى العلمانيين الذين تلقوه بلهفة وشوق، واكتشفوا ما فيه من الكنوز الروحية النفيسة ومن الخبرة العميقة المعروضة بصورة بسيطة وجذابة تحبب القداسة الى الجميع. وتُرجم الكتاب الى معظم لغات العالم، الشرقية منها والغربية، لتعميم فائدته. وما اكثر الذين اشرق نور الله في حياتهم لدى قراءتهم هذا الكتاب، وما اكثر الفتيات الذين اقبلن الى دير الكرمل للاقتداء بهذه الراهبة التي قلما احب الناس قديسا او قديسة مثلما احبوها. ولدى تكاثر العجائب. اوعزت روما الى اسقف بايو وليزيو بالبدء في التحريات ودراسة قضية امة الله الأخت تريزة الطفل يسوع. وجاءت الحرب الكونية الاولى وأخرت القضية قليلا. ولكنها استؤنفت بعد الحرب وانتهت بأن اعلنها البابا بيوس الحادي عشر طوباوية في 29 نيسان سنة 1923. ولم تمضِ سنتان على ذلك،حتى أعلنت الكنيسة قداستها على الملأ، ثم أعلنتها شفيعة الرسالات سنة 1927، هي الراهبة الحبيسة التي لم تتخطَّ عتبة ديرها منذ دخولها اياه في الخامسة عشرة من سنيها. ولكن لهذا الاعلان مغزاه البعيد. فإن تريزة قد أحبت النفوس الى الغاية، وصلّت كثيرا من اجل خلاصها، لأنها كلفت الفادي كثيرا. وقد رضيت في حياتها ان تكون اختا روحية لمرسَلين تسند عملهما الرسولي بصلواتها المتواضعة وبأماتاتها ومحبتتها. انما الرسول الحقيقي هو ذلك الذي يندمج كليا مع المخلص ويتبنى جميع الذين من اجلهم جاء المسيح الى العالم. وكم احبت تريزة ان تكون رسولة، فتذيع اسم المسيح بين الامم! وكم تاقت الى الذهاب الى الرسالة في هانوي ! وكم اشتاقت ان تكون كاهنا ورسولا وواعظا لكي تتحدث للعالم اجمع عن محبة الله اللامتناهية ورحمته الفائقة. فلنسمعها تقول في فرط شوقها: "يكفيني يا يسوع ان اكون عروستك وأن اكون كرملية، وأصير بفضل اتحادي بك ام النفوس. على اني اشعر بدعوات اخرى: اشعر فيّ بدعوة محارب وكاهن ورسول وملفان وشهيد...اريد ان اتم الأعمال البطولية. اشعر ان لي شجاعة محارب وأريد ان اموت في ساحة الوغى...دعوة الكاهن! ما اعظم حبي يا يسوع، اذ اهبك للنفوس!...اريد يا حبيبي يسوع ان انير النفوس، شأن الأنبياء والملافنة. اود ان اطوف الارض مبشرة باسمك، غارسة صليبك في ارض غير مؤمنة. ان رسالة واحدة لا تكفيني، فأود في الوقت نفسه ان ابشر بالانجيل في انحاء العالم كله حتى في الجزر السحيقة. اود ان اكون مرسلة، ليس لفترة قصيرة من الزمن حسب، بل اود لو اني كنته منذ خلق العالم وأواصل ان اكونه حتى انقضاء الاجيال". ولكنها بعد التفكير والتأمل العميق في الجسد السري، اذ بها تهتف متهللة: "يا يسوع، لقد وجدت حبي ودعوتي. دعوتي هي المحبة. لقد وجدت مكاني في حضن الكنيسة. انت يا الهي اعطيتني هذا المكان. سأكون في قلب الكنيسة امي المحبة...وهكذا اكون كل شيء ويتحقق حلمي".

كتاباتها
يأتي في مقدمة هذه الكتابات "تاريخ نفس" الذي ورد ذكره آنفا وهو كتاب تروي فيه تريزة ذكرياتها منذ عهد الطفولة حتى قبيل موتها، وهو بمثابة نشيد ترفعه الى مراحم الرب الابدية، وتكتب فيه كل ما يدور في فكرها بدون تردد او تصنع. انه سفر يأخذ بمجامع القلوب اذا قرأه المرء بانتباه وبروح متفتحة لله. فكله نداء الى الاعالي وشكر على هذا الحب الذي يشمل كل انسان. فما اعظم قدرة الله. انه يستطيع ان ينجز اعاجيب حبه حتى في ابسط النفوس اذا استسلمت لعمله بثقة وسخاء.

اما كتاباتها الاخرى، فهي مجموعة من الرسائل الموجهة الى ذويها او الى اخويها بالروح او الى بعض المعارف. وجاءت في مجلدين كبيرين. وهناك ايضا مجموعة من النصائح والذكريات ضُمّت في كتاب آخر. وكانت الذكرى المئوية لميلاد تريزة حافزا على جمع المزيد من اقوالها المحفوظة في مواضع شتى او المستقاة من الاخوات اللواتي عايشوها وسمعوها. واطلق على هذه الذكريات اسم (الاحاديث الأخيرة)، وجاءت ايضاً في مجلدين. وهناك كتيب ضم أقوالها الأخيرة، وقد ترجم الى العربية باسم "الكلم الأخيرة". ومن الجدير بالملاحظة ان الكثير من كتاباتها ما زالت محفوظة بخط يدها، وقد صُوِّرت ونشرت لتعميم فائدتها.

رسالتها
عرفت تريزة الصغيرة ان لها رسالة بعد موتها، وان هذه الرسالة تتوقف في جوهرها على ان "تجعل الله محبوبا"، وان تساعد النفوس الكثيرة على البلوغ الى هذه المحبة. فان اعلان قداسة كرملية ليزيو الشابة لهو حدث ذو اهمية كبرى في تأريخ القداسة، وهو حدث له الان ايضا تأثيره في جميع النفوس المدعوة الى الكمال والتواقة الى القداسة والسائرة نحو هذا الهدف السامي. فان تريزة الصغيرة تقدم لهذه النفوس العائشة في زماننا النور الذي تحتاج اليه. وايا كانت هذه النفوس، نفوس المؤمنين البسطاء ام نفوس رهبان وراهبات، ام نفوس كهنة، فان القديسة تريزة تظهر في فكرة الله كمعلمة للقداسة التي يحتاجونها، وتكلمهم كلاماً يلائمهم وتريهم الطريق الفضلى التي يجب عليهم السير فيها، وتزودهم بالتعليم المناسب لاحتياجاتهم الروحية الحاضرة تجاوبا مع تصميم الله فيهم.

طريق الطفولة الروحية
تشرح لنا تريزة الصغيرة كيف نشأت عندها فكرة طريق الطفولة الروحية: "تعلمين يا امي اني كثيرا ما رغبت في ان اصير قديسة . ومن دواعي اسفي اني كلما قست ذاتي بالقديسات اتبين ان بيني وبينهن الفرق الذي نراه في الطبيعة بين جبل تناطح قمته السحاب وحبة رمل وضيعة تدوسها ارجل المارة. وبدلا من ان اقنط وتفتر عزيمتي، قلت في نفسي: ليس لله الكلي الصلاح ان يوحي برغبات لا تتحقق. فباستطاعتي اذن ان اتوق الى القداسة، رغم حقارتي. يتعذر علي ان اكبر. فعلي ان احتمل ذاتي على ما فيّ من العيوب الكثيرة. وأود ان ابحث عن وسيلة تؤدي بي الى السماء، بطريق قصير ومستقيم، طريق كل ما فيه جديد. نحن في عصر اختراعات متواصلة. فليس من الضروري الان ان نرتقي درجات السلم. ففي دور الاغنياء مصاعد تقوم مقام السلالم قياما مريحا، وأود انا أن اعثر على مصعد يرفعني حتى يسوع، لأني أصغر من ان ارقى سلم الكمال المضني...وبحثت في الكتب المقدسة عن اشارة الى المصعد الذي اتوق اليه. فوقع نظري على هذه الكلمات الخارجية من فم الحكمة الازلية: من كان صغيرا، فليأت الي (امثال 9: 4)...ورأيت في موضع آخر هذه العبارة : ألاطفك كما تلاطف الام ولدها، وأضمك الى صدري، وأهزك على ركبتي (اشعيا 66: 12، 13)...فذراعاك يا يسوع هما المصعد الذي يرفعني الى السماء. ولهذا فلست بحاجة الى ان اطول، بل عليّ بالعكس ان اظل صغيرة، بل ان اصبح صغية اكثر فأكثر". وقد توضحت لتريزة هذه الطريق شيئا فشيئا. فهي ليست الغاية، انما هي وسيلة للبلوغ الى القداسة التي تشتاق اليها كثيرا، هذه القداسة التي هي التفتح الكامل لجميع طاقات المحبة عند الانسان. ولكن تريزة تلاحظ ضعفها وعجزها الشخصي. وهذه الملاحظة هي التي تدفعها الى استنباط وسيلة جديدة للسير الى القداسة. فتعليمها ليس درسا نظريا. بل هو جواب وجودي على معضلة ملحّة من الحياة. ولأن القضية حيوية. لذا فبوسع الكثيرين من الناس ان يجدوا فيها خبرتهم الشخصية، وجواب الكرملية من شأنه ان يلقى صدى شاملا في الكنيسة.

ثم يأتي رد فعل منطقي عند كل من عاش في نور الله. فإن الله يلهم رغبات لا يمكن تحقيقها . اذن بوسع تريزة ان تتوق الى القداسة بالرغم من ضعفها وصغرها. واذا بوسيلة تخطر ببالها، وهي قمينة بإيصالها الى الله بسهولة، كما يوصل المصعد الى فوق دون عناء فليأت الي". وذراعا يسوع هما المصعد الذي يرفعها الى السماء. اي ان الله ذاته هو الذي يجعل الانسان قديسا، ولا يحقق الانسان ذلك بقوته الشخصية وبجهوده الخاصة، وذلك بشرط ان يعرف الانسان ان يبقى صغيرا، بل ان يصبح صغيرا اكثر فأكثر.

وإذا أمعنا الفكر في هذه الطريق، نرى ان الله هو ذاك الذي يحب الصغيرة ويدعوه الى الدنو منه، وهو الذي، اذا ما تجاوب الانسان معه، يجتذبه اليه ويغمره بحنان محبته. وهذا ما يظهر لنا رحمة الله التي تعطف على الصغير، على الانسان الضعيف العاجز.

اما الإنسان فعليه ان يتقبل فقره، وهذا يقتضي منه تواضعا، اذ عليه ان يعرف انه "صغير"، وان يُقبل الى الرب. وهذا يعني انه يعترف بعوزه وبأن الله هو الذي برحمته يأتي الى لقائنا ومساعدتنا . وهذا يقتضي ان يؤمن الانسان ويثق به ويستسلم اليه استسلاما كليا.

اجل، هذه هي طريقة تريزة، وهذه هي طريق كل نفس تصبو الى القداسة. فاذا هي تبعتها بصورة منطقية، فانها ستنتهي حيث يريدها الله، اي في المشاركة الكاملة لحياة الله في المحبة، كما صممها لكل انسان بفيض حبه اللامتناهي. والله سيعطي النفس المحبة التي لم يكن بوسعها البلوغ اليها بذاتها، وسيولي هذه المحبة لغتها وعلاماتها المميزة في الحياة الواقعية.

يروي لنا الانجيل انه في احد الايام "جيء الى يسوع بأطفال ليضع يديه عليهم، فانتهرهم التلاميذ. ورأى يسوع ذلك فاستاء وقال: دعوا الاطفال يأتون الي، لا تمنعوهم، فلأمثال هؤلاء ملكوت الله. الحق اقول لكم: من لم يقبل ملكوت الله كأنه طفل، لا يدخله" (مرقس. 1: 13-15). وهذا ما شجع تريزة على البقاء صغيرة، لكي يتسنى لها قبول الملكوت.

....... فعسانا ان نبقى دوما كالصغار بين يدي الله ابينا واثقين، مثل تريزة الصغيرة، بأن صغرنا وضعفنا وعجزنا سيكون صراخا ينادي رحمة الله ومحبته. وإذا ما التقت هذه الرحمة بتواضعنا، فهي قادرة ان تحقق فينا العظائم وان توصلنا الى ملء الكمال الروحي في المسيح الرب.

تقدمة ذاتي، محرقة كاملة، للحبّ الإلهيّ الرّحيم
"يا إلهي، أيّها الثالوث الكلّي الطوبى، إنّ أمنيتي أن أحبّك، وأن أحمل الغير على أن يحبّك، وأن أسعى إلى مجد الكنيسة المقدّسة، بخلاص النفوس التي على الأرض، وتحرير تلك التي تتألّم في المطهر. إني اصبو إلى كمال الأمانة لإرادتك وإلى أن أبلغ مستوى المجد الذي أعددته لي في ملكوتك. وبكلمة، إنّي أتشوّق إلى القداسة، غير أنّي أعي عجزي، وأسألك، يا إلهي، أن تكون أنت قداستي".

"لمّا كنتَ قد أحببتني، حتّى إنك أعطيتني ابنك الوحيد، ليكون لي مخلّصاً وعريساً، فالكنوز اللامتناهية التي استحقّها، هي لي، وإني لسعيدة أن اقدّمها اليك، راجيةً، في إلحاح، ألا تنظر إليّ، إلاّ من خلال وجه يسوع، وقلبه المستعر بالحبّ.

"إنّي أرفع اليك، ايضاً، استحقاقات القديسين كلّها (اولئك الذين في السماء وعلى الأرض)، وأفعال حبّهم، وحبّ الملائكة القديسين. أخيراً، أرفع اليك، أيها الثالوث الكلّي الطوبى، حبّ العذراء القدّيسة، أمّي الحبيبة، واستحقاقاتها. وإني لأستودعها تقدمتي هذه وأسألها ان تحملها اليك. وإنّ ابنها الإلهيّ، عريسي الحبيب، قال لنا، يوم كان على أرضنا: "كلّ ما تسألونه الآب باسمي، يعطيكموه". إنّي لمتأكدة، إذًا، أنّك ستتجاوب وأشواقي. وإنّي لعلى علمٍ، يا إلهي، أنّك بقدر ما تريد أن تعطي، بقدر ذلك تبعث الشوق إلى الطلب. إنّ أمنيات وسيعة تجيش في قلبي، وها إنّي أسألك، في عميق الثقة، أن تأتي وتمتلك نفسي. لا يسعني أن أقتبل القربان المقدّس، بالتواتر الذي أشتهي، ولكنّ، ألست الكلّي القدرة، يا إلهي... فاسكن فيّ، كما تسكن في "بيت القربان"، ولا تبتعد أبداً عن قربانتك الصغيرة...

"أريد ان اكون لك عزاءً، حيال نكران الأشرار. وإني لأرجوك ان تنزع مني، حرّية أن اعمل ما لا يرضيك. وإذا كنت، من جراء ضعفي، أسقط، احياناً، فليحن عليّ في الحال نظرك الإلهيّ، وليطهّر نفسي ويفن نواقصي، كما تحوّل النار كلّ شيء إلى ذاتها...

"أشكر لك، يا ربّ، كلّ النعم التي أسبغتها عليّ، لا سيّما نعمة المرور في بوتقة الألم. وسأنظر اليك، في اليوم الأخير، وأنت تحمل صولجان الصليب، والفرح يغمرني. وبما أنّك تنازلت وأشركتني بهذا الصليب الجزيل الثمن، فأملي أن اكون شبيهةً بك في السماء، وأن ارى سمات آلامك المقدّسة، تلمع فوق جسدي الممجّد.

"وعندما ينتهي زمن منفاي على الأرض، رجائي ان اذهب وانعم بك في الوطن الأبديّ. ولكنّي لا اريد ان اكدّس الاستحقاقات مؤنةً للسماء. وأريد، بالأحرى، أن اعمل لأجل حبّك وحده. فهدفي الأوحد، ان اعمل ما يسرّك، وأعزّي قلبك الأقدس، وأخلّص نفوساً تحيا في حبّك إلى الأبد.

"في مساء هذا العمر، سأظهر أمامك صفر اليدين، لأني لا أسألك، يا ربّ، أن تسجّل ما أعمل. فالبرّ الذي فينا، لا يخلو من العيب في عينيك. أريد أن اتلبّس برّك، أنت، وان اقتبل من حبّك، أن امتلك إلى الأبد. وإني لأرفض ايّ عرش، وايّ إكليل، لا يكونان انت بالذات، يا حبيبي.

"ليس الزمن شيئاً في عينيك. وإنّ يوماً واحداً كألف سنة. فيمكنك، إذًا في لحظة واحدة، ان تعدّني للمثول بين يديك...

"ولكي تكون حياتي تعبيراً كاملاً عن حبّي لك، أقدّم ذاتي محرقةً لحبّك الرحيم، راجية ألاّ تكف عن إفنائي، وأن تغمر نفسي بسيول الحنان اللامتناهي، التي تحملها في ذاتك. فأضحي، بالتالي، شهيدة حبّك، يا الله... فليكن لي هذا الاستشهاد، إعداداً للمثول بين يديك، وليتسبّب أخيراً، بموتي، ولتطر نفسي للحال، لتعانق إلى الأبد حبك الرحيم...

"إني اريد، يا حبيبي، أن اجدّد لك هذه التقدمة مرّات لا عدّ لها، لدى كلّ خفقة في قلبي، حتى إذا اضمحلّت ظلال الأرض، أستطيع أن ارفع اليك نشيد حبّي، وأنا في خلود مشاهدتك وجهاً لوجه".

Saint
Joseph Epoux de la V. Marie

Sainte
Thérèse de Jésus (d’Avila)

Saint
Jean De La Croix

Sainte
Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

Sainte
Thérèse-Bénédicte de la Croix

Sainte
Marie de Jésus Crucifié

Sainte
Elisabeth de la Trinité

Bienheureuse
Thérèse Marie de la Croix

Saint
Raphael Kalinowski

Bhx. Fr.
Marie-Eugène de L'Enfant Jésus

Autre Saints

les Saints du Carmel

Carmel Kids