Page d'accueil Nos saints
الروحَانيَّة المَريَميَّة في حَيَاة تريزا مَاريَّا للصليب الكَرمَليَّة
Sainte Thérèse-Bénédicte de la Croix

كتابة: الأب نوهرا صفير الكَرمَلي

مَلِكَةُ الكَرمَل وبَهاؤهُ، ترفعُنَا دائِماً إلى الأعَالي وتحمِلُنَا حقًّا على السير نحو الطريق المؤدِّيَة إلى ابنِهَا، صورةِ الله وجوهره إنَّها "الكُلُّ في الكَرمَل"، حاضِرَةٌ دائِماً مَعَ أبنائِهَا الكَرمَليِّين والكَرمَليَّات، تنظر إليهم بعَطفِهَا القادِر على أن يَجعَلهُم يَعرفونَ ابنِهَا حِكمَةَ الآب، وهو الذي صارَ إنسَاناً مِن أجلِهم.

يَقول البَابَا يوحنَّا بولس الثاني في رسَالة إلى الرَّهبَانيَّة الكرمَليَّة، بمناسَبَة سنة اليوبيل المنصرمَة الخاصَّة بالذِكرى 750 لإنعَام الثَّوب: "لهَذا السبَب، اختارَ الكَرمَليّون والكَرمَليَّات مَريَم شفيعَةً خاصَّةً بهم، وأمّاً روحيَّةً لهم. وهم يَضعون، دائِماً، أمامَ أعيُنِ القلب، تِلكَ العَذراءَ الفائِقةَ النقاوَة التي تقودُ الجَميعَ إلى مَعرفة المَسيح السَّامِيَة والإقتِداء بهِ".

سوفَ نلقي الضوءَ في هذا العَمَلِ البَسيط، على الحضور اللطيف لِمَريَم في حَيَاة تريزا مَاريَّا للصليب، وكيفَ أنَّ هذا الحضور هو حضورُ أمٍّ وأختٍ يوثَقُ بهَا، وكأنَّهَا أيضاً تجدِّدُ القول لأخواتِهَا الكَرمَليَّات مَا قالتهُ يوماً أمُّنَا القدِّيسَة تريزا ليَسوع الأفيليَّة: "إقتدِيْنَ بمَريَم، واعتَبِرْنَ أيَّ عظمَةٍ هي عظمَةُ هذِهِ السيِّدة، وأيَّ ربحٍ أن تكونَ لنَا شفيعَة".

إنَّ تريزا مَاريَّا للصليب هي ابنة الكَرمَل. وهي فخورةٌ بأن تتَّشِح بشَاراتِ حَيَاتِهَا الكَرمَليَّة، أي الكَتفيَّة، وهي عطيَّةُ مَريَم للكَرمَل، والوشَاحِ الأبيَض المرتبط بالنّبي إيليَّا.

كانت مَريَم لتريزا المِثالَ في قبول الدَّعوة إلى الكَرمِل؛ مِنهَا تعَلَّمَت قبولَ الدَّعوَة إلى القداسَة، أي الإنعِزال والإنفِصَال الكُلِّي عَن كلّ مَا هو خارجٌ عن الله. وهذا ليسَ هَرَباً مِنَ المَادَّة والعَالم إنَّمَا لإعطاء المادَّة البُعدَ الإلهي أي أن يَحِلَّ الله في واقِعِهَا وتأسيسَاتِهَا ورسَالتِهَا، وذلِكَ مِن خلال وضع إرادَتِهَا في خِدمَة إرادتِهِ. ردَّدت ذاتَ يَومٍ مَا قالهُ مَسيحُهَا: "لتكُن مَشيئَتُكَ".

في حَيَاة تريزا مَاريَّا للصليب نَكتسِب روحَانيَّتين متمَيِّزتين: روحَانيَّة مَريَميَّة وروحَانيَّة رسوليَّة وهاتان الروحَانيَّتان اللتان تميَّزَتْ بهمَا، أعطتهما هويَّة مِن خلالِهَا يتمّ اللِّقاء بالله في حَيَاتِهَا الرّوحيَّة، ومَع إخوتِهَا البَشَر في حَيَاتِهَا الرَّسوليَّة التي تجَسَّدَت في الرِّسَالة والتأسيس والعَمَل حبًّا بالله الثالوث.

اكتَسَبَت تريزا مَاريَّا للصليب في روحَانيَّتِهَا الكَرمَليَّة التعرُّفَ أكثَر فأكثر إلى عريسِهَا وذلِكَ بمُسَاعَدة أمِّهَا، وشفيعَتِهَا مَريَم بَهَاءِ الكَرمَل ومَجده. وهذا التعرُّف ظهَرَ في الصِّفات عينِهَا التي تميَّزَت بهَا السيِّدة العَذراء: التواضع، والفرَح، والخِدمَة، والطاعَة، والأمومَة، والجَمَاعَة، والصلاة والتأمُّل... قالت ذاتَ يَومٍ عن الطاعَة: "أنا بنتُ الطاعَة، وأريدُ دوماً أن أُطيعَ. أوَتريد أن أغيِّرَ رأيي؟ سأبدِّلُهُ حالاً إن أمَرتني". أمَّا عن الفرَح فقالت: "فلنتألَّم بفرَح لأنَّ الله هو كلُّ شيء بالنسبَة إلينا". كلّ هذه الصِفات تتطابَق وحَيَاةَ مَريَم: كالتواضع الذي كانَ ميزة العَذراء الكُبرى والأمومَة والخِدمَة... وجَدَت تريزا مَاريَّا للطاعَة مِثالاً رائِعاً في العَذراء القدِّيسَة التي أعطَت ذاتَهَا بكلِّيَّتِهَا لِسرّ افتِدَاء الإنسَانيَّة. ردَّدَت ذاتَ يَومٍ وقالت: "الله مَعَنَا وكَفى".

عاشَت دعوَة المَسيح إليها حتَّى العُمق؛ وعلى مِثال مَريَم تأمَّلَتْ في سرِّهِ العَظيم المقدَّس بصمتٍ واحتِجَاب، وعَاشتهُ في اختِبَار روحي عَميق عَلِمَتْ مِن خلالِهِ أنَّ الصلاة هي نقطة انطِلاق لِكلّ عَمَل آخَر. ولطالمَا كانَت العَذراء القدِّيسَة تمُدُّهَا بالمُسَاعَدَة على المُحَافظَة على التوازن بينَ الحَيَاة الروحيَّة والعَمَل الرَّسولي، من دون إهمَال لأيٍّ مِنهمَا؛ فإنَّ عمقَ حَيَاتِهَا الروحيَّة كان مَصدرَ كلّ عَمَل مَحَبَّة كانت تقومُ بهِ؛ وعَمَلهُا ورسَالتُهَا ودعوتُهَا في الكَرمَل هي أن تحمِلَ للآخَر بواسِطَة خدمَة المَحَبَّة، كَلِمَةَ الله وبشرى الحَيَاة لكلِّ متعَطِّش؛ وهنا كانت مثلَ مَريَم، عندَمَا حَمِلَت الكَلِمَة وذهَبَت تبشِّر بهِ إلى جَبَل يَهوذا عند نسيبَتِهَا إليصَابَات، تخدُمُهَا وتبشِّرُهَا بالحَبَل الإلهي.

لقد قَبِلَتْ والِدَةُ الله القدِّيسَة في جَسَدِهَا الكَلِمَة المتجَسِّد، فانطلقَتْ تَخدُم أليصَابَات؛ وتريزا مَاريَّا للصليب وَضَعَتْ كلّ حَيَاتِهَا بتصرُّف الكَلِمَة بطريقة فائِقة للطبيعَة. وهَكَذا كانَ عَملهَا الرَّسولي وانطلاقتُهَا نحو الآخر نتيجَة حَتميَّة لحَيَاة الرّوح التي يَجب أن تَنمو وتزدَهِر. قالت تريزا مَاريَّا: "أنا لم أطلب قطّ، ولن أطلبَ أبَداً دراهِمَ مِنَ الرَّبّ؛ أنا أعرض عليهِ فقط المَشَاكِل وأقول لهُ: تصرَّف أنت".

لقد مَارَسَت مَريَم إيمَانَهَا الإفخارستي حتَّى قبلَ تأسيس سِرّ الإفخارستيَّا، إذ قدَّمَت حَشَاهَا البَتولي لتجَسُّد الكَلِمَة؛ وتريزا مَاريَّا للصليب كانت قد عاشَت الإكرام للقربَان منذ صِغَرِهَا تقول في ذكريَاتِهَا عن طفولتِهَا: "منذ حَداثَة سنِّي، كنتُ أفتِّشُ عن سَاعَات السجود للقربَان، التي كانت تقام في الكَنائِس المجَاورَة لنا، حتَّى إنِّي ذهَبت، مِن دون تضييع وقتٍ، لأشاركَ في الصلاة والتأمُّل في زاويَة من زوايَا الكَنيسَة. فالإختِلاء مَعَ يَسوع بصمتٍ وحبّ كانَ يَملأُ قلبي سَعَادةً ويَغمُرُ نفسي براءَة". كتَبَت أيضاً وقالت: "كم تمنَّيتُ لو أبقى بصُحبَة يَسوع طوالَ النَّهَار! فهو رفيقي الدَّائِم. لكنَّ خوفي مِن تأنيب والدتي كانَ كبيراً، بعد طول غيَابي عن البيت. فكنتُ أترُكُهُ وحيداً لأعودَ بعدَ سَاعَات أمضيهَا برفقة مَن يعزّيني. كنتُ أطيرُ فرَحاً وبَهجَةً، فقد كانَ يَملأُ يَسوع فراغَ حَيَاتي كلَّ مرَّةٍ أمرُّ بهَا أمَامَ بيتِهِ وأسلِّم عليه". لقد نظرَت تريزا إلى مريَم كَمِثال حقيقي لهَا، فهي أيضاً مدعوَّة إلى الإقتِداء بهَا في علاقتِهَا مَعَ هذا السِرّ السَّامي القداسَة، وكانت تكبُر وحُبُّ الله يَنمو في أحشَائِهَا، وتكبُر مَعَهَا علاقتُهَا بالله، وعلاقتُهَا المميَّزة مَعَ يَسوع الإفخارستيَّا، هذه العَلاقة عزَّزَت إيمَانهَا وجَعَلتهُ يَنضَج مَعَ الأيَّام.

سَاعَة بشارَة المَلاك، شعرت مريم بخوف، لكِنَّهَا آمَنَتْ، بأنَّ مَا يقولهُ سَيَتِمّ، إذ قالت: "فليكُن لي بحَسَبِ قولِكَ". واختِيَار تريزا مَاريَّا للكَرمَل كانَ علامَةً واضِحَة كوضوح الشَّمس، ونالت الحَظ في أن تكونَ الجَمَاعَة الرُّهبَانيَّة الجَديدة مَبنيَّة على روحَانيَّة أمِّهَا المُصلِحَة تريزا ليَسوع، واختيَار كَمَال الكَرمَل نَسَجتهُ بالتأمُّل والحُبّ وقدَّمَت لراهِباتِهَا قانون الراهِبَات الكَرمَليَّات للقدِّيسَة تريزا ليَسوع إذ قالت: "يَا بَناتي، يَجب أن نكونَ فقراء ومتواضِعَات، فلنذهَب لتقديس ذواتِنَا غير مهتمَّات بأنفُسِنَا، فالرَّبّ يَهتمّ بنا".

لقد نالَت مَريَم حظوةً لم يَنَلهَا أيُّ كائِنٍ بَشَريّ، وتريزا نالَت نِعمَة عظيمَة مِنَ الرَّبّ قدَّسَت عَمَلَهَا ودعوَتَهَا ورسَالتَهَا كَتَبَت تقول: "أعطانا الرَّبّ، في هذه السنة الجَديدة، نِعمَة أن نعمَلَ كثيراً لمَجدهِ الأعظَم، ونغَارَ على إكرامِهِ، ونتقدَّمَ قليلاً على طريق القداسَة. الوقتُ يَمُرّ بسُرعَة، وعلينا أن نُشغلهُ جيِّداً مِن أجل خير النفوس".

قبلَ انتِقالِهَا إلى مَلكوت المَحَبَّة والسَّلام والمُصَالحَة، جَاءَ الحضور السِرّي للسيِّدة العَذراء يَضَعُ بَلسَماً وعَزاءً على عَذابَاتِهَا، فتقول: "اليَوم، رأيتُ السيِّدة. رايتُهَا أوَّلاً الحَزينة مَعَ صليبٍ على قلبهَا؛ ثمَّ بَدَتْ النقيَّة يَغمُرُهَا نورٌ سَمَاويّ. كَانَت على جَمَالٍ، وأيُّ جَمَال...!".

إنطلقت العَذراء القدِّيسَة نحو القريب إنطلاقاً مِن حبِّهَا لله. فالتي صارَت على الصليب أماً لتلميذ المسيح، وقد صارَ ابنُهَا في الوقتِ نفسه، جعَلهَا تخدُم جمَاعة المسيح الأولى. وتريزا في نهَايَة مَسيرَتِهَا على هذِهِ الأرض، حَمَلَتْ إلى الوَطن السَّمَاوي أخوتَهَا الكَرمَليِّين وأخواتِهَا الكَرمَليَّات، عِلماً ويَقيناً مِنهَا أنَّ البُعدَ السَّمَاوي وحدهُ سوفَ يُعطي العَائِلة الكَرمَليَّة مِلأَهَا وسَبَبَ وجودِهَا.

تبقى تريزا مَاريَّا للصليب في حَيَاتِنا اليوميَّة الكَرمَليَّة مَثَلاً يُعَلِّمُنا كيفَ نَستَجيبُ لِنداء الله كَمَا استجَابَت هي، على مِثال العَذراء التي قبِلَتْ مَشيئَة الله حتَّى الصليب. عَسَى أن يَمنَحَنَا الرَّبُّ بِمَثَلِهَا وشَفَاعَتِهَا السيرَ نحو القداسَة والسَّهَرَ على ازدِهَار الدَّعَوات وعلى عيش الحَيَاة الرُّهبَانيَّة الكَرمَليَّة في قلب الكَنيسَة الأمّ وفي قلب العَالم. آمين.


Saint
Joseph Epoux de la V. Marie

Sainte
Thérèse de Jésus (d’Avila)

Saint
Jean De La Croix

Sainte
Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

Sainte
Thérèse-Bénédicte de la Croix

Sainte
Marie de Jésus Crucifié

Sainte
Elisabeth de la Trinité

Bienheureuse
Thérèse Marie de la Croix

Saint
Raphael Kalinowski

Bhx. Fr.
Marie-Eugène de L'Enfant Jésus

Autre Saints

les Saints du Carmel

Carmel Kids