Page d'accueil Nos saints
Bienheureuse Thérèse Marie de la Croix
Sainte Thérèse-Bénédicte de la Croix

كيف عاشت الطوباوية تريزا ماريا للصليب في حياتها اليومية سر الافخارستيا؟
كتابة الأب ريمون عبدو الكرملي

مقدمة
يقول البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته “الافخارستيا حياة الكنيسة”، عندما يطلق على مريم اسم “المرأة الإفخارستيّة” (53-58) أن العذراء تقود خطانا نحو الافخارستيا، لأنها رافقت حميع مراحل تأسيس سر الافخارستيا في الانجيل. وانطلاقاً من تأملنا وضعها الداخليّ نرى أن مريم هي امرأة “إفخارستيّة”، في حياتها كلّها. فيما الكنيسة تنظر إلى مريم نظرتها إلى مثالٍ لها، فهي مدعوّة إلى التشبّه بها أيضاً في علاقتها مع هذا السرّ الكليّ القداسة.

إن الافخارستيا هي سرّ الإيمان! ومريم تدعونا لكي نَخضع ليسوع ابنها بدون تردّد: “مهما قال لكم فافعلوه” (يو 2: 5). والتشابه عميق بين “فليكن لي بحسب قولك!” الذي قالته مريم للملاك وال”آمين” التي يلفظها كلّ مؤمن عند تناوله جسد الربّ. وكما اعترفت مريم بأن الذي تحبل به “بقدرة الروح القدس” هو “ابنُ الله”، كذلك استمراراً مع إيمان مريم، يُطلب منّا أن نؤمن، في السرّ الإفخارستيّ، بأن يسوعَ هذا نفسَه، ابنَ الله وابنَ مريم، يجعل نفسه حاضراً بكمال كيانه البشريّ والإلهيّ، تحت أعراض الخبز والخمر. “طوبى للتي آمنت” (لو1: 45): في سرّ التجسّد، استبقت مريمُ أيضاً إيمان الكنيسة الإفخارستيّ. فكانت مريم أولَ بيتِ قربانٍ متنقل في التاريخ، عندما زارت إليصابات.

في الإفخارستيّا، تتحد الكنيسة كليًّا بالمسيح وبذبيحته متبنيّةً روحَ مريم، ويمكننا أن نفهم هذه الروح المريمية الافخارستيا في بإعادة قراءة وتأمل نشيد: “تُعَظِمُ نفسي الربّ” في منظور إفخارستيّ. لأن الإفخارستيّا، كنشيد مريم هي قبل كلّ شيء حمدٌ وشكران. وإذا كان نشيد “تُعَظِّمُ نفسي الربّ” يعبّر عن روحانيّة مريم، فلا شيء يساعدنا على عيش السرّ الإفخارستيّ بقدر تلك الروحانيّة. إنّا نُمنح الإفخارستيّا كي تكون حياتُنا كلُّها، على مثال حياة مريم، نشيد “تُعظِّمُ نفسي الربّ”!

وإذا شئنا اليوم ونحن نتأمل في حياة أمنا المؤسسة الطوباوية بتّينا، فيمكننا أن نصغي الى نشيد تعظيم تقص فيه علينا تاريخ العظائم التي حققها الله في حياتها وحياة الكنيسة وراهباتها. وكل حركة من حركات حياتها الروحية الداخلية هي حركة تعظيم وتسبيح نجد فيها صورة لتاريخ الخلاص في مقياس ينطلق من اللحظة لكي يصل الى الأبدية.

الافخارستيا حياة بيتّينا اليومية
لقد اخترتُ هذه التأملات المريمية الافخارستية في بداية حديثي لكي أَدخل من خلالها الى حياة الطوباوية بيتّينا، تريزا ماريا للصليب، مؤسسة الراهبات الكرمليات للقديسة تريزا. لأن بيتّينا هي امرأة افخارستية وأَمةُ الرب ومؤسِّسة تحمل موهبةً خاصة في الكنيسة. شارَكَتْ المسيح سرَّ حياتِه، ومنه استقَتْ، على مثال مريم، الطاقة لكي ترافق الكنيسة في شؤونِها وشجونها، نحو الخلاص. فلا يمكننا أن نتأمل نشاط الأم بيتينا التأسيسي في كنيسة ايطاليا والرسالات خارج إيطاليا، دون أن نربط هذه الحيوية بحضور القربان أو عبادة الافخارستيا وتأثيرها على كامل الروحانية التي قادتها الى تحقيق عظائم الرب في حياتها وحياة بناتها.

1. الدعوة
1- بتّينا، هي امرأة مميزة دعاها الله الى أن تلعب دوراً مهماً في حياة الكنيسة في عصرها. فإذا انتقلنا من سيرتها الشخصية في المرحلة الأولى حيث يمكننا أن نتذكر مواهبها وجمالها والحوادث التي سببت ارتدادها الى الفضيلة والتكرس لله، يمكننا أن نستذكر جانباً من شخصيتها ذات أهمية بالغة: دعوتها الى أن تكون مربية بالفطرة.

"إذا كانت الفتيات تقلدنني في مثل هذه الأمور الدنيوية فلِمَ لا أعمل على أن تقلدنني في فعل الخير ومحبة المسيح."

من هنا انطلقت بتينا في مشروعها الكبير، فراحت تختبر وتتعمق في السر الذي سيصبح لاحقاً مادة دسمة تمررها الى اللواتي رغبن في اتباع مسيرتها أو اللواتي دخلن الى مؤسساتها أو طلبن النصح والارشاد. وهذا الاختبار يرتكز على المسيح بشكلٍ رئيسي.

-واحدة من الميزات الأساسية في رهبنة بتينا وحياتها هي أن تخرج الحياة الكرملية النسائية من وراء شبك النسك الى الشوارع؛ فقد خرج المسيح الى الطرقات. وبدل أن تدور حياة الراهبات حول التأمل والعمل اليدوي والحياة الأخوية، دخل عنصر جديد وهو العناية باليتيمات والتربية والتبشير والرسالات...  ومع كثرة المسؤوليات في التأسيس الجديد، ازدادت الآلام والاضطهادات التي عانت منها الطوباوية.

-الجواب على هذه الحالة كان إيمانها المطلق بالله الذي يختار الضعفاء ليُظهِر من خلالهم أعماله العجيبة.

2. السجود للقربان:
رافقت محبة المسيح في سر القربان حياة بيتّينا منذ الطفولة، لذلك تحول القربان الى القاعدة التي ارتكزت عليها المؤسسة الجديدة بكاملها. فلو لم تكن حياتها توقٌ بكاملها الى عيش سر القربان، لما توصلت الى أن تحدد أيام الخميس والجمعة، ومن ثم حياة سجود للقربان في دير مخصص لذلك فقط.

تأسيس دير مخصص للعبادة الافخارستيا سنة 1902
عبادة الافخارستيا والسجود هي المكان حيث تقوم الراهبات بأفعال التعويض عن بشرية تتجاهل حضور الله. هكذا وقفن بوجه الشر الذي يتمثل في الكثر من المظاهر المناهضة للكنيسة والايمان والعادات السليمة، وذلك من خلال السجود الصامت. وهذا السجود تحوّل من رغبة فردية الى التزام جماعي كان وما يزال يجذب الكثير من العلمانيين حول راهبات بتّينا، للسجود ليلاً ونهاراً.

3. الافخارستيا في الحياة اليومية:
من الضروري التأمل في المرحلة التاريخية التي ولدت فيها بيتّينا، والتي تحمل علامات متناقضة تتمثل في الثورة الثقافية والاجتماعية، وما تحمله معها من الفقر والعوز والمشاكل ذات البعد الأخلاقي والاجتماعي. ونتساءل ما كان موقف بيتّينا من هذا المتغيرات الخطيرة وذات الوقع السلبي على حياة الأفراد والجماعات الكنسية والوطنية؟

-الارتداد هو الجواب: رفضت بيتينا أن تقف مكتوفة الأيدي، بل رفضت أن تنغمس في هذا العالم، فكانت الأحداث التي قرأتها جيداً فاستأثر يسوع بمشاعرها وكان الأول والأخير. فجذبت معها الكثيرات.

-الجذرية تتمثل في الحياة المكرسة: لم تكن رغباتها المقياس لما كان سيحدث، بل ما قاله الله من خلال علامات الأزمنة، فكانت اليتيمتان، والميتم، والراهبات... فخرجب تريزا الأفيلية الى الشارع لتعتني بالفقراء.

-التأمل في العالم: هكذا لبست الروحانية الكرملية وجهاً جديداً يجمع بين الاتجاه نحو الداخل في التأمل، والتوجه نحو الخدمة في العالم.

-الثقة التامة والكاملة بالعريس: أمام جميع المصاعب وأنواعها وضعت الأم ثقتها بالرب مع العلم أنه سيعطيها كل ما هي بحاجة اليه، ولكن فوق كل شيء لأنها مستعدة لحمل صليبه، كما حمله هو من أجلها ومن أجل الخطأة. "إن الرب لم يخذلني أبداً"

-العمل على التربية مع الأطفال: اختارت الأطفال المنبوذين في المجتمع. ما الذي دفها الى هذا النوع من الخيار في رسالتها الجديدة؟

-التواضع والامّحاء حبّاً بيسوع المسيح: "يجب أن نقوم بإماتةٍ نقدّمها ليسوع في زيارتنا له. علينا أن نعبّر عن حبّنا. وإذا التقينا مَن وَجّهَ الينا توبيخاً، علينا أن لا نجيب، بل أن نفرح في قلوبنا ونقدّم الإهانة هدية ليسوع، ونشكر يسوع عليها.". هذا التواضع في الحياة الديرية يترجم في الاطار العام طاعةً عمياء للكنيسة ولسلطتها.

-لا خوف مع يسوع: "أنا لا أفهم هذه المخاوف الصارخة: الشيطان! الشيطان! بينما يمكننا أن نقول: الله! ألله! فنجعل الشيطان يرتجف رعباً".

4. الافخارستيا هي نبع الموهبة:
في وسط النزاعات التي كانت تطغى على مجتمعها، حملت بيتّينا مشاكل الكنيسة والمجتمع ووضعتها أمام يسوع في سر القربان. إن الله هو أصل الحياة والحلول، لكن هذا يتطلب الايمان. وسر الافخارستيا هو سر الحب وعطاء الذات الكامل للمسيح، ومع المسيح وبواسطته، عطاء الذات الكامل للآخرين: ولكن هذه العطية لا تتحق بكامل مكوناتها، إلا أمام الافخارستيا وبالمشاركة الحقيقية في الحياة الالهية؛ وذلك من خلال المناولة والسجود القرباني.

فقد اعتادت بيتّينا منذ طفولتها، خاصة بعد مناولتها الأولى، المشاركة في الزياحات كالتي كان يحتفل بها في عيد الجسد، والسجود الأربعيني للقربان. وهذه كترجمة لرغبتها القوية بأن تتحد بيسوع في سر القربان. وفي حياتها كمؤسِّسة راحت بيتّينا تُدخل الافخارستيا على برنامج الحياة اليومية، من أول خميس في الشهر، الى كل يوم خميس، فالى الخميس والجمعة معاً، حتى أسست العبادة المستمرة للقربان كل بوم سنة 1902.

أمام القربان يجب أن نتعلم قراءة الأمومة التي تمتعت بها بتّينا تجاه اليتيمات اللواتي كنّ يشعرن كل واحدة، أنها تحبها بشكل خاص ومميز... هذا الحب يظهر هكذا لأنه ينبع من الأصل الحقيقي الوحيد: الافخارستيا.

هكذا أيضاً يمكننا أن نقرأ محبتها ورغبتها بخلاص جميع الناس. يجب أن نرى بيتّينا أمام القربان. عندما كانت تختلي أمام القربان، حتى قبل تأسيس دير "جسد الرب" في فلورنسا، كانت تأخذ دور غيرها من الراهبات لكي تحمل له ذاتها والعالم من حولها بحب حار وقوي. وقد أحس الشيطان بهذا الخطر الذي عرقل عمله على اهلاك النفوس، فحاربها في كل أعمالها ومقاصدها هذه.

"أود أن أوحّد قلوب البشر جميعاً في قلبٍ واحد لكي أعوّض عن الاهانات التي يسببها الأشرار للرب" (199)

"إن الله يحب النفوس التي تحب القريب أكثر من محبتها لذاتها. وهذا هو طموحي: أن أصنع نفوساً للمسيح"

وهي تجسّد جانباً من الروحانية الافخارستيا، أي روحانية التعويض: "إن أفضل صلاة للتعويض عن الاهانات التي توجّه اليَّ بالتجديف، ومن أجل نيل هداية كثير من العميان المساكين، هي أن أقدِّم باستمرار الى الله أبي (يقول يسوع) ذبيحة الافخارستيا عن هذه الشرور". واكتشفت بيتّينا هذه الصلاة والعبادة، فقادت حياتها ورغباتها.

5. الافخارستيا هي سر التسبيح في حياة بيتّينا:
معنى الافخراستيا الحقيقي هو التسبيح والشكر : "كل شيء قليل من أجل تحقيق مجد الله ولشكره".  "لا أريد سوى تحقيق مشيئة الله في حياتي: وهو قادر أن ينظم كل شيء لخيري". هذا الشعور يوصل الى الاستسلام بين يدي الله من خلال جميع أحداث الحياة "إن الله يعمل كل شيء لصالحنا لأننا نحن لا نريد سو مجده" (244).

والتسبيح والشكر هو تعبير عن الاعتراف بأولوية الله في حياتنا: "أطلبوا أولاً ملكوت الله، والباقي يعطى ويزاد؛ علينا أن نطلب من الله فقط مجده، وأن نحقق ارادته فقط في حياتنا، ورغباته وحبه... عندما نطلب من الله أموراً مادية، نكون قد أهناه، كأننا نقول له أن لا يعرف حاجاتنا". إن تسبيح تريزا ماريا للصليب، أمام يسوع القربان، هو تلك العبادة الطاهرة للحضور الكامل في الافخارستيا؛ هي تجديد تقدمته في حياتها، وتقدمة ذاتها دوماً وبتجدد، وهي ذكر احساناته دوماً والاحتفال برحمته. هي أن تقدم له حياتها وحياة الأشخاص الموكولين الى عنايتها  أمام القربان.

6. الافخارستيا هي سر البركة في حياة بيتّينا:
البركة هي أن نجيب على حب الله الذي يبارك. ان الله يبارَك في الخليقة، والا نسان يبارك عندما يعترف. هكذا يجب أن نعترف بفضل الله أمام جميع عطاياه دون أن نتعلق بها. هكذا نتعلّم أن تكون صلاتنا ذات طابع افخارستي حقاً. هذا هو موقف تريزا ماريا للصليب، أمام العطايا الكثيرة التي أغدقها الله على حياتها: الاعتراف أنها منه واليه، في خدمة الفقراء والمحتاجين لهذه المواهب، حتى تلك المواهب الشخصية. هكذا تبارك الله عندما تعترف أن هذه هي مواهبه وعطاياه. هكذا كانت تعيش روح الفقر الانجيلي، والاتكال على العناية الالهية، والتجرد من الرغبة في الملكية. فهي تبارك الله دوماً من أجل عطاياه (وهذه هي البركة الافخارستيا) لأن الله يريد أن يحب الجميع ويصل الى الجميع.

7. سر الصليب والصراع ضد الشر:
لقد اختار ابن الله الصليب كوسيلة لخلاص العالم. فالغوص في فهم سر الصليب وحمله في حياتنا، هو الطريق الفضلى لكي نشارك المخلص عمل خلاصنا وخلاص الآخرين. والصليب له أوجه كثيرة يعكس فيها نوره السرّي علينا وعلى العالم.  ومن بين المتناقضات التي تحياها في حياتنا اليومية، هي حين نريد الخلاص ونرفض الصليب. فالقديس يوحنا الصليب يقول، أن المسيحي الذي يبحث عن المسيح بدون الصليب، من المقدَّر أن يجد الصليبب بدون المسيح.

ومن بين العلامات الأولى التي تدل أن بتّينا اتخذت القرار الصواب، هو أنها اختارت اسمها المتحداً بالصليب (تريزا ماريا للصليب). فالصليب هو هويتها وسندها، تتكىء عليه، وهو الكنز الثمين الذي أغنى حياتها وروحانيتها. فقد عاشت الفقر والمرض والموت والمعارضات، وواجهت عنف العصر ضد الكنيسة ورهبانيتها الجديدة، وضد الانسانية المعذّبة، وتأقلمت مع مرضها المستمر الذي طال الجسد والنفس معاً، وهي مليئة بالثقة أن المسيح معها، ولن يتركها. "أرى بقناعة راسخة أن يوماً واحداً نحتمل فيه الصليب ونقبله بفرح، أثمن من كلِّ ما يمكن للعالم أن يقدّم لنا من أفراح، بل أثمن من الأفراح الروحية أيضاً، لأن هذه الى زوال، ولا يبقى إلاّ جوهر الصليب."

لقد واجهت تريزا ماريا للصليب، الشر والشيطان في حياتها، لأنه حاربها في جميع انجازاتها في الكنيسة؛ وعندما يحاربنا الشيطان، هذا دليل على الله يعمل معنا، لكنها تغلبت دوماً عليه وعلى تجاربه بسبب استسلامها للمحبة الألهية. فالشيطان يخاف النفوس البريئة التي تثق ثقة كاملة بالله وبرحمته. ففي الصراع مع الحية الجهنمية، حملت تريزا ماريا للصليب صليبها، الطريق الملوكي لخلاص العالم. إن سر الصليب لا يعني فقط أن نحب المسيح وأن نتألم من أجله، بل أن نتفهم ونتعاطف مع ألم الآخرين، خاصة المنبوذين من المجتمع. لا بل أن نشعر بأن آلامهم هي آلامنا، كما هي آلام يسوع.

عندما ترى بيتّينا خطيئة العالم وضلاله، تجيب بالالتزام أمام المصلوب والقربان لكي تعوض عن هذه الخطايا. ماذا يعني هذا الموقف؟ يعني أن كل فردٍ منا، إذا كان يحب المسيح، عليه أن يعمل على التعويض عن الخطايا الكثيرة والشر الذي يدوّي في العالم. وعلى قدر اتحادنا بالمسيح، تنمو  محبتنا للعالم خاصة للعالم الخاطىء والمجروح. هذه هي الأمومة والمغفرة والاصغاء... هذا هو الاتحاد بصليب يسوع.

هذا الحب يريد أن يصل الى العالم؛ كيف يسعني أن أوصله الى الذي يحتاجون له؟ "من أجل يسوع كل شيء قليل". كيف تتحقق في الحياة اليومية هذه التضحية بالذات وتقدمة الذات؟ عندما أتمكن من أن أرى المسيح في الاخوة، خاصة في أولئك الأضعف، وعندما أحبهم حباً كاملاً حتى التضحية بالأغلى من أجلهم، عندها يصل حب يسوع اليهم.

لكن كيف يمكنني أن أقرأ هذا الواقع دون أن أقع بوهم المشاعر التي تقودني الى النرجسية وارضاء رغباتي دون أن أحب الآخر (بل عندها أسخّر الآخر لرغباتي)؟ أمام الافخارستيا أفهم كل شيء.

8. خاتمة
لقد تأملنا في مطلع كلامنا صورة مريم الامرأة الافخارستية، ولا بد من أن نسعى في خاتمة كلامنا لأن نجد وصفاً لهذة الامرأة الافخارستية التي هي  "بيتّينا". إنها الفتاة الجميلة التي جيّرت جمالها لكي تحمل يسوع الى العالم، فانقض النسر الإلهي واستهلك هذا الجمال زارعاً فيه بذور الحب الإلهي الذي أخصب روحانية تجمع الأمومة والرسالة وأسمى درجات الاحتبار الصوفي، في خدمة الكنيسة والرسالات، خاصة في أضعف وأفقر الأبناء. فمن تكون هذه المرأة القادرة على تحقيق وعود الله لكنيسته.

نقرأ في محاضرة"حياة المرأة المسيحية"، للقديسة الإلمانية إديت شتاين -وهي تجيب عن كيفية تربية المرأة تربية تتناسب وطبيعتها ومميزاتها الأنثوية-

"أنّ طبيعة المرأة وتحديدها يوجبان تربيةً من شأنها أن تقودَ نحو نشاطِ محبَّةٍ فاعلة. والتربية العاطفية السليمة تمكّن من التزام العاطفة الباطني الحميم، بالقيم الموضوعية، والإشعاعِ العملي الفاعل لهذا الالتزام. أمّا ترتيب القيم الموضوعي وفق سلّم الأولويات فيناسبه تفضيلُ ما يفوق الأرضيات على جميع القيم الأرضية وتنصيبُه عليها. وإنّ التهيئة لمثل هذه الرؤية، يقابلها، في الوقت عينه، العملُ المستقبلي على تربية إنسان من أجل ملكوت الله. وهذه التربية تؤهّل الانسان لممارسة التفعيل العملي للحياة الإيمانية بطريقة تقولب النفسَ وتطبعها بطابعها مدى الحياة: حياة وصلاة مع الكنيسة عبر الواجبات الليتورجية، وتهيئةٌ لعلاقة حميمة شخصيّة مع الربّ، وذلك من خلال تفتيح الذهن والنفس على سرّ القربان المقدّس، إضافةً إلى حياة قربانية حقّة. إنّ مثل هذا العمل التربوي الديني لا يمكن بالطبع إلاّ أن يأتي على يد أشخاص هم ذاتهم تشبّعوا من روح الإيمان إلى درجة صارت فيها حياتُهم كلُّها جديدةً من جرَّاء اصطباغها به."

هكذا يمكننا أن نصف كيف قامت بتّينا  بتربية بناتها اليتيمات، وراهباتها. فقد كانت نفسها قربانية لكي توصل مضمونها الى قلوب بناتها:

"لا تتحرّر الطبيعةُ من قيودها إلاّ بفعل قوة النعمة التي تنقّيها وتؤهّلها لاقتبال الحياة الإلهية فيها. هذه الحياة الإلهية الباطنية هي القوة المحرِّكة لكل أعمال المحبة. فمن شاء أن تقيم فيه وتستقرّ، عليه أن يغذّيَها باستمرار من الينبوع الذي لاينضب، أي من الأسرار المقدسة، أخصّها سرّ الحبّ. إن حياة امرأة قولَبها الحبُّ الإلهي تصير حُكماّ حياةً قربانية. فالكفرُ بالذات والانعتاقُ من كل مطالبة وطموح وعجبٍ وتمنٍّ واشتهاء، لينفتحَ القلبُ على حاجة كلِّ غريب وشدَّتِه وضيقه، هذا ما لا يستطيعه أحدٌ خارج علاقةٍ حميمة مع المخلّص في بيت القربان.

من طلب الله في القربان وأطلعه على كلِّ أموره واستشاره فيها،
ومن غسلته القوة المقدسة الطالعة من المذبح وطهّرته فقدّم نفسه للرب خلال الذبيحة،
ومن اقتبل المخلصَ في عمق نفسه من خلال المناولة المقدسة،

لم يبقَ فيه شيء خارج تيار الحياة الإلهية الذي لا يبرح يخطفه إليه وفيه، بقوة وعمق متصاعدين، فينمو من الداخل في جسد المسيح السري ويتحوّل قلبه تحوّلاً تترسّم فيه أكثر فأكثر صورةُ القلب الإلهي.

وبهذا يتعلق أمر آخر: فعندما نلتجئ إلى القلب الإلهي ونسلّمه بثقة كلَّ حاجات حياتنا الأرضية، عندها تُستأصَل هذه الحاجات من قلبنا، فتتحرّر النفسُ للمشاركة في الحياة الإلهية؛ فإذا بنا نمشي إلى جانب المخلّص الطريق التي مشاها خلال حياته على هذه الأرض والتي لا يزال يمشيها في حياته السرية المستمرة، ونلج بعين الإيمان إلى الأعماق السرية لحياته الخفية في حضن الله. من جهة أخرى، إنّ لنصيبنا من الحياة الإلهية قوةً تحرِّرنا من عبء الشؤون الأرضية لتقدمَ لنا منذ هذه اللحظة، أي في إطار وجودنا الزمني، هديةً هي جزء ولَمحَة من الأبدية وانعكاسٌ للحياة الطوباوية وسيرٌ في النور. لذا فإنّ حياة امرأة كاثوليكية حقّة هي في الوقت عينه ليتورجية، لأنّ من يصلّي صلاة الكنيسة، فيها ومعها، بالروح وبالحق، ذاك تتحوَّلُ حياتُه كلُّها بفعل حياة الصلاة هذه.

فلنلخّص قائلين إن عمل المرأة الحقّ هو ذاك الذي تأخذ فيه النفس الأنثوية حقَّها والذي تقولبه وتطبعه بطابعها المميز. إنّ المبدأَ الباطني المكوِّنَ للنفس الأنثوية هو الحبُّ كما يتدفق من القلب الإلهي، ولا تفوز به النفسُ الأنثوية إلاّ بتعلقها بالقلب في حياة قربانية ليتورجية. (الأبعاد الأخلاقية المميِّزة لدعوة المرأة)

Saint
Joseph Epoux de la V. Marie

Sainte
Thérèse de Jésus (d’Avila)

Saint
Jean De La Croix

Sainte
Thérèse de l’Enfant Jésus de la Sainte Face

Sainte
Thérèse-Bénédicte de la Croix

Sainte
Marie de Jésus Crucifié

Sainte
Elisabeth de la Trinité

Bienheureuse
Thérèse Marie de la Croix

Saint
Raphael Kalinowski

Bhx. Fr.
Marie-Eugène de L'Enfant Jésus

Autre Saints

les Saints du Carmel

Carmel Kids