على دروب الصلاة مع تريزا ليسوع 3
كتابة الأب فاليري بيطار الكرملي

"يمكن القول إنّ الذين يبدأون بممارسةِ التأمّل هم أولئك الذين يرفعونَ الماءَ من البئرِ فيتكلَّفونَ عناءً كبيرًا، كما قلت. إنّهم يتعبونَ في جمعِ حواسهم التي اعتادت التشتّت؛ وفي ذلك جهدٌ جاهد. وعليهم أن يتعوّدوا اجتنابَ رؤيةِ شيءٍ أو سماعِه، وبالأحرى، عملِه في ساعات التأمّل، بل أن يلزموا الوحدة والعُزلة، ويفكّروا في حياتهم الماضية...وعليهم أنْ يسعوا للتأمّل في حياة المسيح وإنْ كانَ ذلك يُتعب العقل..." (السيرة 11،9).

إنَّ بداية طريق التأمّل هي بمثابة القيام بالخطوات الأولى، أو بالأحرى إنّها المياه الأولى بحسب تصنيف القديسة تريزا. تؤكّد قديستُنا أنَّ البدء بممارسة التأمّل أمرٌ صعب، يُشبه رفع الماء مِن البئر لريّ البُستان، وهذه عمليّة تتطلَّبُ جهدًا وصبرًا كبيرَين. نختبرُ عادةً هذه الصعوبة عندما نُكرِّس وقتًا للصلاة والتأمّل، فكم مِن الصعب جمع حواسِنا المتشتّتة! كم مِن الصعب رفع عقلِنا وقلبِنا كي يكونوا مع الرب، فيصغونَ إليه ويتنبّهونَ إلى حضوره! تكمُن الصعوبة الأولى إذًا في جمعِ قِوانا وحواسّنا لنَدخُل في هذا الحوار الحميم مع الرب، عندها قد نشعرُ بالرغبة بالهرب وترك الصلاة والإنشغال بأمرٍ آخر. تُعطي القديسة تريزا بعض النصائح العمليّة للمبتدئين في هذه الطريق، فهي تؤكّد على ضرورة "الوحدة والعُزلة" فلا يمكننا أنْ نصلي وسط الضجيج والإنشغالات، علينا أنْ نختار مكانًا هادئًا يساعد حواسنا على الاستجماع والراحة، قد يكون ذلك في زاوية خاصة في منزلنا نكرّسها للصلاة، أو في كنيسة، أو في الطبيعة...عندما نؤمّن هذا الجو، على النفس أنْ تفكّر في حياتها الماضية والحاضرة أي أن تقوم بقراءةٍ على ضوءِ كلمة الله وحضوره لما عاشته وتعيشه، أنْ تندمَ على خطاياها، أن تعزمَ على إِتبّاع المسيح حتى النهاية، أنْ تُغذي فيها الرغبات الصالحة. إنّ ما يُساعد النفس في هذه المراحل الأولى هو التأمّل بحياة المسيح، هذه الطريق عزيزة جدًا على قلبِ قدّيستنا وهي مفيدة في كُل مراحل التأمل خصوصًا في الخطوات الأولى. إنّ التأمل في حياة المسيح مِن خلال كلمات الإنجيل يساعد على العيش بحضور الرب والإصغاء إليه هو الحاضر دائمًا في كلمَتِه. إنّ كلمة الله محوريّة تقود النفس في طريقٍ آمنة فلا تسبح عندها أفكارنا وعواطفنا في أجواءٍ أُخرى نخترعها وتكون مِن صنع مخيّلتنا. مِن المُفيد جدًا أنْ نختار مشهدًا إنجيليًّا (الآلام، القيامة،...) نتأمّل فيه فيقودنا إلى حضرة المسيح، نجلس معه ونخاطبه بصمتٍ. تعترف تريزا بصعوبة البدايات وبأنها مرحلة شاقة ولكنّ طريق التأمل تستحق التضحية.