كتابة: الأخت نور يمّين الكرمَليّة
(الراهبات الكرمَليَّات للقدّيسة تريزا ليسوع فلورنسا)

في قلب اهتمامات الحياة اليوميَّة (وهنا نراها في العودة الى الناصرة)، نعيش إرادة الله بطاعة الأبناء. هذا ما تُعلّمنا إيّاه مريم بحفظها تلك الأمور كلّها (الأحداث في أورشليم، كلمات ابنها يسوع، عودته معهما ... ) في قلبها لتتأمّل بها. هذا الوقت الذي تمضيه مريم بالتأمّل هو يقظة القلب لكلّ حركة من حركات الروح القدس وإلهاماته التي تُفهمنا، شيئًا فشيئًا، مشيئة الله في كلّ الظروف، لنتعلّم الثبات في الإيمان.

والصمت الذي عاشته مريم كان مفتاح دخولها إلى سرّ الله، فمن دون الصمت لا يمكننا أن نُصغي الى الكلمة؛ ومريم صارت مستودع كلمة الله المتجسّد، ونحن نصير، أكثر فأكثر، حاملين الكلمة بقدر ما نردّدها، نحفظها في قلبنا ونعيشها بأمانة.

في المزمور 1 نجد عبارة أنّ البار "في شريعة الرّبّ هواه، وبشريعته يُتمتم نهاره وليله" (وقد أصبحت هذه الآية من ركائز القانون الكرمَليّ للنسّاك على جبل الكرمَل)، فنحن عادةً نحفظ الكلام الذي يطيب لسمعنا، كما نحفظ ترتيلة ما ولا نحفظ أخرى، لأنّ الأولى إستطبنا كلماتها ولحنها، مثلًا. فكم بالحري من "يُتمتم" (وفي بعض الترجمات "يَلهَج") كلمة الله لتصير جزءًا لا يتجزَّا من فكرِه، من حديثه ومن كيانه.

كانت مريم تحفظ "الأمور كلّها"، وهذه العبارة لا تنطبق على الأمور الجيّدة والمناسبات السعيدة فقط، بل كلّ الأمور، أي كلّ ما نمرّ به من ظروف ومواقف وأقوال، كل ما نخطّط له من مشاريع قريبة أو بعيدة: نثق بأنّ الله يرعانا فيها وإن لم نفهمها في حينها.

هذه الصلاة المستمرّة والتأمّل في القلب لكلمة الله وحضوره، جعلا من مريم، صبية الناصرة التي لم تفهم في البدء معنى سلام الملاك لها، جعلاها "الواقفة تحت الصليب" في ختام مسيرة ابنها الذي منحها إيّاه الآب لتحمله خلاصًا للبشريّة؛ الواقفة تحت الصليب، أي الشاهدة، بقوّة الإيمان، أنّ ما وعد به الله سيتمّ "فما من شيءٍ يُعجزُ الله" (لو 1: 37).
جميع الـحقوق مـحفوظة لـِلمَوقِع الإِلكتروني لرهبانيَّة الكرمَليِّين الحفاة في لبنان ©