مريم الـمُصغِيَة للكَـلِــمَــة

كتابة: الأخت نادين العاقوري الكرمَليّة
(الراهبات الكرمَليَّات للقدّيس يوسف – المشرف)


"طــوبــى للأحــشـــاء التـــي حـملتك....
لا بــل الطــوبــى لـــمــن يـسمـع كلمة الله ويحفظها" (لوقا 11 : 27 ـــــ 28)

يقول مار أغسطينوس عن العذراء بأنّـها كانت تسكن "عليّة قلبـها. فالصلاة هي التـي جبلت حميميّة مريم ووسّعت مساحة عليّة قلبــها هذا".
فمريم لم تكن إلاّ "صلاة"، متّصلة كليًّا بالله.
فالصلاة كانت حـجـر الزاوية الذي بنت عليه مسكنـها الداخلـي : هذه الصلاة هـي صلاة تحوّل ما هو ضيّق إلى رحب. وتعلّمنا مريم أيضًا أن ننظر إلى شخصـها لنعيش على مثالها. مثال "التـي هـي أرحب من السماوات". فهـــي تعلّمنا أن نوسّع قلبنا من ضيق أفكارنا الرديئة، وتفسّحَ فينا مكانًا للدعاء والصلاة.

هذا العمل يخلق فينا قلبًا نقيًّا لا يرغب إلاّ رغبةِ الله نفسها، وأفكار الله نفسه، وروح الله نفسه، وعمل الله ذاته.

فإذا اجتـزنا معها هذا الـمضيق نستطيع حينـها أن نـهتف بقلبٍ وصوت واحدٍ قائليـن : "أنتَ يا رب مَن شرح قلبـي وأرحَبَهُ بنَفَس روحك القدوس".

ففي قلب الصلاة وممارسـتــها نكتشف بأنّ عليّة قلب مريم أصبحت هيكلاً للروح، مكانًا لإصغاء الكلمة ولتـراضي الـمشيئتيـن... بكلمة واحدة طاعة كليّة للحبّ: "فليكن لي بحسب قولِكَ".
أن تَثْبُتَ مريم في الكلمة، يعني أنّ الكلمة تمّمت عملها فيـها. فصارت بدورها كلمة.

ففي "نعم" مريم كلّ شيء قيلَ. لا بل من خلال هذه "النعم" كلّ قدرة الحبّ الـمجنونة الذي يكنّه الله للبشريّة قيلت وتمّت.

فالعذراء كانت في حَجْـر روحي دائم. سـكنت قلبـها من دون أي هروب. فعلى العكس، لقد جعلت من هذا الـمكان مسكنــها الوحيد حيث اختبأت فيه بتخفٍّ وصمتٍ وتأمّل.

إنّ سكنـى مريم الـمصلّي هو الذي أتاح لها الإسراع إلى مساعدة أليصابات نسيبتـها، واجتياز الجبال والوديان للخدمة. ففي بعض الأحيان نحن بحاجة إلى عبور مسافاتٍ طويلة وأحيانًا معوّجة لنفـهم عمق "سرّ الخدمة".

إنّ كلّ خدمة نبعها إصغاء وتأمّل. فالطاقة للخدمة تُستمدُّ من طاقة الحجر الصامت الـمصغي الـمتأمّل بالكلمة.
طهارة مريم كانت مسبقة. إذًا ما الذي بقي عليـها فعله؟
أن تحفظ عذريّة قلبـها أي أن لا تعرف إلاّ الله وحده وحبُّه للبشر.

أن تحفظ وتحافظ على هذا الفراغ الذي يسكن قلبـها لأنّه الوسيلة الوحيدة التـي تضمن حضور الله الكليّ. هذا الفراغ أخذت مريم قوّته من القبـر الفارغ الذي يبشّر بالقيامة والفرح. قلب فارغ من كل ما هو غريب عن الله، هو قلب فقيـر، متواضع، ممتلئ بحضوره.

ـــــ "لأنّه نظر إلى تواضع أمـته" : لم ينظر الله إلـى مريم لأنّــها كانت فتاة متواضعة. نظر الله إلى مريم لأنّــها "جعلت" من نفسها، نفسًا متواضعةً وخدومةً. وهذا كلّ الفرق.

لم تعظّم مريم ذاتــها عندما ترنّم وتعلن نشيدها. إنّما تعظّم خالقــها الذي صنع بــها العـجائب. تلفت أنظارنا إلى الله وإلى ما فَعَلَه من جيلٍ إلى جيل وما سيفعله بــها وبنا من عجائب.

تعلّمنا مريم من خلال نشيدها في إنجيل لوقا أن ننشد الله ونعلنه من خلال "كلمته هو" وليس من خلال كلماتنا نحن.

ـــــ لأنّ مريم استقبلت ذاتـها من الله وسمحت بأن يَتَأمَّلُها نظره الـمحبّ، احتفظت بقلبــها له بكليّته فــي العزلة والوحدة كعروس نشيد الأناشيد.

مريم تسكن قلبــها، تسكن الله وتسكن العالم لأنَّــــها جعلت من سكناها حضورًا.

ـــــ مريم أمّ خالقها هـي التــي استقبلت من دون أن تفهم بشرى الـملاك. كما استقبلت وحفظت كلمة سمعان الشيخ عندما قال : "إنّ سيفًا سيجتاز قلبك".

ـــــ هذه الكلمة حفظتــها وتأمّلت بــها خلال كلّ حياتها. كانت تجتازها يومًا بعد يوم كسيف نارٍ تمّت على الصليب. تحت أقدام الصليب ظلّت مريم تتأمّل بكلمة ابنـها التـي تجسّدت فيـها لتصبح حقًّا أمًّا لكلّ البشريّة : "يا امرأة هذا ابنك..." وللتلميذ الواقف عند قدمي الصليب : "هذه أمّك". ـــــ نعم، "فها منذ الآن تطوّبنـي جميع الأجيال"، لأنّ بالفقر الذي حفره الله في قلبـها وحياتـها جعل منه عظائمَ كبيـرة وهـي مجــيء ابنه الذي انتظرته جميع الأجيال.

ــــــ نعم. إنّ مريم لم تكن إلاّ إصغاء صامت. والإصغاء هو بذاته عمليّة استقبال. استقبال الذات أوّلاً. مريم هي الـحاضرة، الـمنفتحة على إرادة الله بدون شروط.

مريم لم ترغب إلاّ أن تعيش من الله ومن نعمته. جعلت من نفسها لا شـيء، ذبيحة مقرّبة لتتلقّى كـلّ شيء ألا وهو الله الكلـيّ القدرة.

مريم لم يكن لديــها شيئًا لتقدّمه، إلاّ رحابة قلبـها لتحمل فيه كلمة الله : "الـمسيح الـمنتظر". ووضعته في مزود كما قدّمته مع الآب على الصليب ذبيحةً لـمغفرة خطايانا.
فبولادته أعطت مريم الـحريّة للكـلمة بـأن تتجلّى.
جميع الـحقوق مـحفوظة لـِلمَوقِع الإِلكتروني لرهبانيَّة الكرمَليِّين الحفاة في لبنان ©

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit