الأسبوع العظيم المقدَّس والثلاثيَّة الفصحيَّة. تألَّمَ، وماتَ، وقُبِرَ، وقامَ في اليوم الثالث ...

كتابة الأب نوهرا صفير الكرمَلي

فيما تدنو الأيَّام نحو ختام مسيرة الصوم الأربعيني، التي بدأت يوم أربعاء الرّماد، تُدخِلنا الليتورجيا مع أحد الشعانين في جوّ الأيام الكبرى، الأيام المطبوعة بالحُبّ الكبير بذكرى آلام وموت الرَّبّ يسوع.
في ليتورجيا يوم الأربعاء من الأسبوع المقدَّس، يطرح القدِّيس متى الإنجيلي على تأمُّلِنا الحوار الذي جرى بين يسوع ويهوذا في العليّة. "هَل أنا هو، رابِّي؟"، وهو السؤال الذي طرحهُ الخائنُ على المُعلِّمَ الإلهي، الذي كان قد أعلن قبل قليل "الحَقَّ أقولُ لكُم: أنّ واحدًا منكُم سَيُسلِمُني!".كان جوابُ الربّ قاطعًا: "أَنتَ قُلت!" (متى 26/14-25). يختمُ الإنجيليّ يوحنّا من جهته رواية خيانة يهوذا بهذه الكلمات القليلة والمعبّرة في الوقتِ نفسِهِ: "وكانَ لَيل!" (يوحنّا 13/30). يقولُ أبينا القدِّيس يوحنا للصليب عن الليل المظلم الذي تحياه النفس: "إنه ليلٌ داخليّ". نعم إنَّهُ ليلٌ داخليّ، لأنَّ الظلام قد أعمَى قلبَ يهوذا عندما ترك العليّة، والضياع قد استولى على نفوس بقيَّة التلاميذ الآخرين، لأنّهم هم أيضًا يسيرون متوجِّهين نحو الليل، وظُلمات التَخَلّي والكراهية ازدادت على ابن الإنسان الذي يتّجه ليقدّم نفسه على الصليب قربانًا وحملاً لا عيبَ فيه. إنَّ ما سوف نُحيي ذِكراه في الأيام المقدَّسة هو هذا الصراع الكبير الذي سنشهدهُ بين النور والظلمة، بين الحياة والموت. لذا علينا أن نضع ذواتنا دائمًا في هذا الدرب، لندركَ حياةَ "لَيلِنا" وآثامنا وتصرّفاتنا، لكي نحيا من جديد سرّ القيامة المقدّسة نحو التقدّم في الحياة الروحيّة، والوصول إلى نور القلب بواسطة هذا السرّ، الذي يُمَثِّلُ الركيزة الأساسيّة والرئيسيّة لإيماننا المسيحيّ.

الخميس العظيم المقدَّس
تبدأ الثُلاثيّة الفصحيّة المقدَّسة يوم الخميس المقدَّس والمعروف بـِ"خميس الأسرار". في قدّاس الميرون عند الصباح، وهو تمهيدٌ للدخول في الثُلاثيّة الفصحيّة مع قدَّاس عشاء الرَّبّ ورتبة غسل الأرجُل، يُجدِّد الأسقف ومُعاونوه، والكهنة، والشمامسة، يُحيط بهم شعب الله، وعودهم الكهنوتيّة. إنَّ هذا الإحتفال يمثِّلُ الشراكة الكنسيّة القويّة، التي تُظهِرُ نِعمَة خدمة الكهنوت الذي تركه الرَّبّ يسوع لِكنيسته، عشيّة آلامه وموته على خشبة الصليب. في هذه العشيّة المقدَّسَة، التي بَذَلَ فيها الرَّبّ ذاته من أجلنا، أعطانا فيها سرّ الإفخارستيّا، وسرَّ الكهنوت المقدَّس. في قدَّاس الصباح تَتِمّ مباركة الزيوت المقدَّسة لِلاحتفال بالأسرار وهي: - زيت المُقبلين على العماد، زيت المرضى - والميرون المُقدَّس. في المساء، تدخل الكنيسة في الثلاثيّة الفصحيّة، ومعها تعيش الجماعة المسيحيّة مُجَدَّدًا وفي قدّاس "العشاء السرّي" أحداث العشاء الأخير. في العليّة أراد المخلِّصُ الإلهيّ أن يستبق، في سرّ الخبز والخمر المحوَّلين إلى جسده ودمه، الفداء بحياته: إنه يستبق موته هذا، يَهب حياته بِحُريّة كاملة، ويُقدِّمها كعطيّة نهائيّة للبشريَّة. في غسل أرجل التلاميذ تتكرّر المبادرة التي أحَبَّ بها الرّبّ خاصَّتَهُ، وهو كان قد أحَبَّهم، حتى النهاية (يوحنّا 13/1)، تاركًا لتلاميذه عمل التواضُع هذا، في الحبّ حتى الموت على الصليب. تدعو الليتورجيا المؤمنين بعد قداس عشاء الرَّبّ للتوقّف والسجود لسرّ القربان الأقدس، والتأمّل بنزاع يسوع في الجتسمانيَّة - بستان الزيتون. ونرى أيضًا كيف أنَّ الرسل قد ناموا، تاركين الرَّبّ وحيدًا. ونحن غالبًا ما ننام، نحن تلاميذه، لأنَّهُ في ليلة الجتسمانية المقدّسة هذه، علينا أن نبقى معهُ، وأن لا نتركه وحيدًا؛ فَنفهَم هكذا بشكل أفضل سرّ الخميس العظيم، الذي يشمل أسمى ثلاثة هِبَات وهي:
1 - خدمة الكهنوت المقدَّس.
2 – الإفخارستيّا.
3 - وصيّة المحبّة الجديدة.


الجمعة العظيمة المقدَّسة
يُحيي يوم الجمعة العظيمة، ذكرى الأحداث التي تجري منذ الحُكم بالموت وحتى الصلب، هو يومٌ للتوبة، للصوم، للصلاة، ومُشاركة في آلام الرَّبّ الفادي. في الساعة المُحدَّدة أي نحو السَّاعة الثالثة بعد الظهر، تستعيد الجماعة المسيحيّة، مُستعينةً بِكلمة الله والطقوس الليتورجيّة، رواية عدم إخلاص البشريَّة لتدبير الخلاص الإلهي، وتستمع إلى الرواية لعذابات ربّنا. وبعدها تتوجّه إلى الآب السماوي بِـ"صلاة المؤمنين" وفي هذا اليوم تكون طويلة، لأنها تحوي كلّ نوايا الكنيسة والعالم. ثم تسجُد الجماعة للصليب المقدَّس بدخولٍ مَلكيّ، وبعدها تقترب من الإفخارستيّا السابق تقديسها، والمحفوظة من قدّاس عشاء الرَّبّ. يقول القديس يوحنّا الذهبيّ الفم عن يوم الجمعة العظيمة: "كان الصليب يعني في السابق ازدراءً، لكنه اليوم أصبح شيئًا مُبَجَّلاً، كان في السابق رمز الحُكم بالموت، أمّا اليوم فهو أملٌ بالخلاص. لقد أصبح فعلاً ينبوعَ خيرات لا حدود لها؛ لقد حرّرنا من الخطأ، وبدَّدَ ظُلماتنا، صالحنا مع الله، جعلنا أفراد عائلة الله بعد أن كنّا أعداءه، وحوّلنا من غُرباء إلى جيران له: هذا الصليب هو هدم للعداوة، ينبوع للسلام، صندوق كنزنا" (في الصليب واللصّ1، 1، 4).
إنَّ التقليد المسيحي قد أعطى لهذا اليوم عدة عبادات شعبيّة، منها: تطوافات ومسيرات الجمعة العظيمة وطقوسها العميقة التي تتكرّر كلّ عام. نذكر منها "رتبة درب الصليب المقدَّس"، الذي يُدخلنا كلّ يوم جمعة من الصوم الأربعيني في التأمّل بسرّ الصليب، والسير مع الرَّبّ يسوع، ففي الصليب كلّ مجد القيامة. يقول القدّيس ليون الكبير: "التطلّع بعيون القلب إلى يسوع المصلوب، بطريقة، نتعرَّف بها في جسده على جسدنا نحن" (الخطبة الخامسة عشرة في آلام الربّ).

السبت العظيم المقدَّس
هو يوم الصمت الكبير، فيه تصمت الليتورجيا، إنّه يوم السكون الكبير، والمسيحيّون هم مدعوّون لِصَوم وتأمُّل داخلي أمام قبر المخلِّص، لكي نستعدّ في الصمت المخيِّم على هذا اليوم، لسهرة العشيَّة الفصحيَّة كما يسمّيها القدِّيس أوغوسطينوس: "أمّ السهرات".

أحد الفصح المقدَّس، قيامة الرَّبّ يسوع من بين الأموات
في سهرة العشيَّة الفصحيَّة، تُرفعُ الشمعة الفصحيَّة التي ترمز للمسيح نور العالم والناهض من الموت، بِصرخة النصر: "نور المسيح"؛ وتجيبُ الجماعة: "الشكرُ لله". في مباركة النار وارتفاع الشمعة المباركة نفهم حقيقة سرّ الصليب، وكيف أنَّ الله أحبَّ البشريَّة "باسطًا قبرهُ بين قبورنا، ومن هذا القبر ستخرجُ الحياة الجديدة، وعليه سيقوم الإيمان والمسيحيّون، ..." (من الليتورجيا اللاتينيَّة في رتبة دفن المصلوب) – بموته حياتَنا، وبجراحه شفاءَنا، وبموته قيامتَنا، وبنزوله صعودَنا. في عشيَّة الإحتفال بالليلة المقدَّسة، نستقبل المُعمّدين الجُدُد ونُجدِّد مواعيد معموديّتنا. ومع الكنيسة الأمّ نعلن إيماننا بالمسيح عريسها الذي قام من الموت، ولن يموت أبدًا. في هذه الثُلاثيّة الفصحية يُذكّرنا القدِّيس بولس الرَّسول، "فإنَّ حياته تُصبح حياتنا" (الرسالة إلى أهل رومة 6/9)، وعلى هذا الإيمان بالرَّبّ القائم من الموت يُبنى وجودنا المسيحي، لهُ كلُّ المجد. آمين.

المسيح قام – حقًّا قام. هللويا!
المراجع:
رتبة تقديس الميرون، مخطوط مصوّر في المكتبة العامة لجامعة الروح القدس-الكسليك.
P-M.GY, Semaine Sainte et Triduum Pascale, Maison Dieu, 1995*
MISSEL ROMAIN, DESCLEE-MAME, Belgique 1978*
Joseph de Ste Marie OCD (Carme Déchaux), L’Eucharistie, salut du monde*
Henriette Danet, Dieu dans le récit pascal, à partir du Triduum mortis de Hans Urs von Balthasar, Institut catholique de Paris, Joseph Doré, 1985 (3 vol).*

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit