Page d'accueil Articles
Liturgie

تقدِمَة ودخول الرَّبّ إلى الهَيكل في الليتورجيا اللاتينيَّة
كتابة الأب نوهرا صفير الكرمَلي

مقدِّمَة:
"الآن أطلق عبدك أيها السيِّد على حَسَبَ قولك بسلام، فإنَّ عينيّ قد أبصرتا خلاصَكَ الذي أعددتهُ أمام كلّ الشعوب، نوراً يتجلَى للأمم، ومجدًا لشعبكَ إسرائيل".

(تسبحة سمعان الشيخ، من صلاة النوم حسب الطقس اللاتيني)


معنى الإحتفال بعيد تقدمَة أو دخول الرَّبّ إلى الهَيكل:
تحتفِل الكنيسة الكاثوليكيَّة والأورثوذوكسيَّة في 2 من شهر شباط بعيد تقدِمَة أو دخول الرَّبّ إلى الهَيكل. في مثل هذا العيد نحتفل بسرّ حياة المسيح، المرتبطة بشريعة موسى التي كانت تنص على أنه ينبغي على الوالدين، وبعد مضي 40 يومًا على ولادة ابنهما البكر، أن يصعدا إلى الهيكل ليقدِّما ابنهما للرَّبّ، ولتنقية الأمّ (راجع خر 13: 1-2؛ 11: 16).

إنَّ مريم ويوسف هما أيضًا يتبعان هذا التقليد، وبحسب ما تطلبه الشريعة يقدّما زوجَي حمام أو يمام.

من خلال قراءتنا العميقة والإيمانيّة لهذا الحدث، نفهم أنه في تلك اللحظة، الله نفسه يقرّب ابنه الوحيد للبشرية جمعاء، بواسطة الكلمات التي أعلنها وتفوَّهَ بها سمعان الشيخ وحنة النبية. إنَّ سمعان يُعلن أنَّ يسوع هو "خلاص البشرية"، "نورًا للأمم"، "آية معرَّضة للرَّفض"، لأنه سيكشفُ الأفكار عن قلوب كثيرة (راجع لو 2: 29-35).

في الشرق، كانوا يُطلقون على هذا العيد إسمًا وهو: "عيد اللقاء". في هذه التسمية نرى شوق سمعان الشيخ وحنة النبيَّة الذين التقيا بيسوع في الهيكل وفيه تعرَّفا على المسيح الرَّبّ الذي تنتظرُهُ الشعوبُ كلّها، وهما يمثلان البشرية التي تلتقي ربّها في الكنيسة.

في الغرب، تركيز أكبر على رمز النور، مع رتبة بركة الشموع والتطواف بها من خارج الكنيسة إلى داخلها. هذا يرمز إلى أنَّ الكنيسة تلتقي بالإيمان من هو "نور البشر والأمم كلّها" وتحمله في أيديها، وتقبله بكلّ فرح الإيمان لتنقُلَ هذا "النور" للعالم وإلى لقاء كلّ إنسان.

إبتداءً من سنة 1997، أراد البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني وتزامنًا مع هذا العيد السيديّ والليتورجيّ، أن يُحتفل في الكنيسة الجامعة بيوم "الحياة المكرَّسة". ". لأنَّهُ بتقدمة ابن الله والمرموز إليها في التقدمة إلى الهيكل، رمزٌ ونموذجٌ لكلّ شابّ وصبيَّة يكرّسان حياتهما بأكملها للرَّبّ.

في عظةٍ للبابا بنديكتس السادس عشر بمناسبة عيد تقدمة الرَّبّ إلى الهيكل، ويوم الحياة المكرسة سنة 2010، بعنوان: "كم كان العالم فقيرًا، لولا الحياة المكرَّسة". أعطى في كلمته لهذا اليوم ثلاثة أهداف وهي:
أولاً: تسبيح الرَّبّ وشكره دائمًا على عطية الحياة المكرّسة؛
ثانيًا: تعزيز المعرفة والتقدير من قبل شعب الله كله؛
ثالثًا: دعوة أولئك الذين كرَّسوا حياتهم بالكامل للبشارة بالإنجيل، فيحتفلوا بالعجائب التي صنعها الرَّبّ لهم.

ما هي تاريخية عيد تقدمة الرَّبّ إلى الهيكل:
يعود الإحتفال بهذا العيد إلى القرون الأولى للمسيحية (350)، وفي كتاب الرحالة إيجيريا (رحلات الحج إلى الأماكن المقدسة) تذكر هذا الاحتفال الليتورجي فتقول: اليوم الأربعين بعد عيد الظهور (أي ميلاد الرَّبّ) يُحتفل بعيد التقدمة في أورشليم بأبَّهة فخمة. وفي هذا اليوم ذاته يصير التطواف في كنيسة القيامة مثل يوم الفصح".

لم يكن يُطلق على هذا العيد أيُّ إسمٍ آخر سوى ذكرى "تقدمة الرَّبّ إلى الهيكل". وهذا ما عرفناه وتردَّد على مسامعنا منذ القرون الأولى للمسيحيَّة، ومع آباء الكنيسة التي كانت تتمحور عظاتهم حول شرح معاني النص الإنجيلي: (لوقا 2: 22-40)، الذي يتكلّم عن تقدمة الرَّبّ إلى الهيكل، وسبب تعلّق كنيسة أورشليم بهذا الاحتفال باعتباره أول ذكرى لمجيء الرَّبّ يسوع المتجسّد إلى أورشليم، ومنه انطلقت فكرة التعييد لهُ في مثل هذا اليوم، مع تعميمِهِ في كافة الدول والمدن والكنائس في الشرق والغرب.

في القسطنطينية، قام الإمبراطور يوستنيانوس بثبيت العيد وتبنِّيهِ بالاتفاق مع البطريرك القسطنطينية مع المساهمة في انتشاره. فهناك إشارة في سجّلات المجمع المسكوني الخامس (553) تخبرنا بأنَّ: "الإمبراطور أمر أن تعيّد الأرض كلّها للقاء الرَّبّ المخلّص، كما فعل يوستينوس بخصوص الإحتفال بميلاد الرَّبّ".

وبما أنَّ الإحتفال بعيد ميلاد الرَّبّ لم يكن ثابتًا. كان يُحتفل بهذا العيد يوم 14 شباط، إلى أن أُعيدَ الإحتفال بالتعييد لهُ يوم 2 شباط وذلك لمرور أربعين يومًا على ميلاد المسيح المخلّص. هذا العيد وهو عيد الأنوار (نورًا يتجلَّى للأمم) وعيد اللقاء، دخول السيد وتقدمتِهِ إلى الهيكل مرتبط من حيث تاريخ الإحتفال به بعيد الميلاد. وما زالت الكنيسة الأرمنية تحتفل بهذا العيد يوم 14 شباط، وذلك بسبب تعييدها لظهور الرَّبّ (ميلاده في الجسد، اعتماده في الأردنّ، ظهوره للمجوس بواسطة النَّجم، وإظهار مجده بأولى آياتِهِ في عرس قانا) حسب التقويم القديم يوم 6 كانون الثاني.

يكتب ثيوفانوس في مذكّراته: "في شهر تشرين الأول عام ٥٣٤ م، اجتاح القسطنطينيّة وباءٌ ومرضٌ خطيرٌ أودى بحياة الكثيرين، وزال هذا الوباءُ يوم 2 شباط، عندئذ أمر الأمبراطور يوستينيانوس Justinian بنقل الإحتفال والتعييد لهُ في مثل هذا اليوم".

نقرأ في التاريخ الكنسيّ عند نيكيفوروس Nicephore أنّ الأمبراطور يوستينوس Justin، عمّ يوستينيانوس وسلفه، هو من قام بنقل هذا العيد.

في الحقيقة هذه المعلومات لا تتعارض فيما بينها. ويرجّح بأن يكون يوستينيانوس هو من قام بهذا العمل، لعلّ الإختلاف يرتبط في تثبيت تاريخ الإحتفال بميلاد الرَّبّ في القسطنطينيّة يوم ٢٥ كانون الأول، هذا العيد الذي كان يُحتفل به في ٦ كانون الثاني في عهد هذا الإمبراطور.

في الإصحاح الثاني عشر من الكتاب المقدّس من سفر اللاويين، يُقدّم الصبيّ إلى الهيكل بعد أربعين يومًا من ولادته. وها هو فعلاً، هناك (40 يومًا) بين ٦ كانون الثاني و١٤ شباط، ومع تثبيت العيد في 25 كانون الأول في تقويمه الصحيح والجديد، يكون هناك أيضًا (40 يومًا) حتى ٢ شباط.

من هنا يمكننا التأكد أنّه في نهاية القرن الخامس، ومع بداية القرن السادس، كانت أكثريَّة الكنائس في الشرق تحتفل بهذا العيد.

أخذت الكنيسة الأنطاكية في القرن السادس تحتفل بعيد اللقاء يوم 2 شباط. وفي القرن السابع، دخل إلى كنيسة روما كما يتضح لنا من نص ورد في "الكتاب الحبري" وفيه نصوص عن سِيَر وأخبار الباباوات الرومانيين. في هذا الكتاب كلامٌ عن البابا سرجيوس الأول (687 - 701 م) الذي أمر بإنشاء صلوات، وابتهالات غنيَّة بمعاني العيد، وإكرامه. كما أضاف إليه زياحٌ ليتورجي، مع العلم إلى أنَّ هذا العيد كان معروفًا في كنيسة روما على عهد البابا غريغوريوس الكبير (590 – 604 م).

يوم 2 شباط هو عيد الأنوار، اللقاء، الحياة المكرَّسَة لله:
يُخبرنا القدّيس لوقا في الفصل الثاني من إنجيله عن تقدمة ودخول الرَّبّ إلى الهيكل، ولكن هو في الوقت نفسه عيد اللقاء وعيد الأنوار.
منذ الأيام الأولى للمسيحيّة، عُبّرَ عن هذا الإسم أي "اللقاء"، "الأنوار" في ليتورجيا الكنيسة، إذ أنّه يتجلَّى بأبهى معانيه وهو:
- لقاء الإنسان القديم بالإنسان الجديد.
- لقاء العهد القديم بالعهد الجديد.
- لقاء الشريعة والناموس بالولادة الجديدة.
- لقاء الرمز بالحقيقة الكاملة.
- لقاء الإنسان بالله المتجسّد.
- لقاء النبوءات بواضعها ومحقّقها.

"السماء أصبحت كلّها على الأرض، الخالق يُحمَلُ من المخلوق ليكون هو نفسه ذبيحةً عن كلّ واحدٍ منّا".

في إنجيل القدّيس لوقا، تبرز شخصيَّتان بارزتان للحدث ومعناه وهما:
- سمعان الشيخ والنبيّ: الذي يرمز ويمثّل الأجيال التي انتظرت الخلاص بمجيء المخلّص.
- حنّة النبيّة: تمثّل حياة النسك، والإلتزام، والصبر، والنقاوة.

في شخصيَّتهما رمزٌ إلى صورة الأنبياء الذين يجاهدون دون تعب أو ملل. وهذه التسميات كلّها مع معانيها ورموزها وليتورجيَّتها، وما يرافقها من إعلان، تُظهِر مدى جمال وعظمة ارتباط الأعياد كلّها بعضها البعض. في شوق انتظار الشيخ لمجيء المخلّص، وفي حمله الصبي الطفل يسوع، لحظة فرح. في لقائه الرَّبّ وحملِهِ بين يديه، نراه يطلب انتقاله وعبورهُ فَرِحًا، إذ لا موت بمجيء المسيح الرَّبّ، بل هذه هي القيامة والحياة الجديدة.

في هذا اللقاء، يشير الشيخ النبيّ لمريم عن الصليب والمجد معًا. فبدل التطهير الجسديّ لتطبيق الشريعة، وحتى التقدمة، يُصبح تطهير الذات وتنقيتها وتقدمة النفس، هو الأساس للقاء السيّد الرَّبّ والمخلّص الآتي والموعود به منذ القديم، على أن نقبل دم المخلّص الإله الذي سال من جنبه وهو على الصليب عريانًا ليغسلنا ويطهّرنا من خطايانا.

في هذا العيد، نعود لنتأمَّل في نص بدء بشارة إنجيل القديس يوحنا: «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا ورأينا مجده (يوحنا ١٤:١)». في هذا اليوم الذي فيه التقى المخلوق بخالقه، يتحوّل الهيكل الحجري، إلى هيكل بشريّ سماويّ.

كيف دخل هذا العيد إلى الغرب؟
مع البابا سرجيوس الأوّل (٦٨٧ – ٧٠١ م) وهو إيطالي - سوري من سيسيليا، دخل هذا العيد إلى روما. مع التأكيد أنَّ في مضمون عيد التقدمة والدخول، مع جوهره ولاهوته، ما يختلف كلّ الإختلاف عن أي عيد غير مسيحي.

ما هي الرموز والمعاني الليتورجية لإنجيل عيد تقدمة ودخول الرَّبّ إلى الهيكل؟
في الكتاب المقدَّس "العهد القديم"، فرضت الشريعة وصيّتين:
- الأولى: إنَّ المرأة التي تلد، ذكرًا أو أنثى، لا تكون بحسب الشريعة طاهرة حتى تُكمـل أربعـين يومًا على ولادة الصبيّ، وثمـانين يومًا على ولادة الفتاة. عندما تُكمل أيام تطهيرها تأتي الى الكاهن وتقدّم عن طفلها حمَلاً ابن سنـة أو زوجَي يمام أو فرخي حمام (لاويين 12: 2 - 8).

- الثانية: تفرض إلى أن يُقدّم كلّ ابن بكر ليكون مقدّسا للرَّبّ (خـروج 13)0 وهذه النصوص تقرأ بحسب ليتورجية العيد.

نعم لقد تمَّم الرَّبّ يسوع كل ما تفرضه الشريعـة: من الختانـة، تقدمته ودخوله الى الهيكل، إلى صعوده مع يوسف وأمّه مريم إلى أورشليم للإحتفال بالأعياد. لأنه لم يأتِ لينقض الشريعـة بـل ليكمّلها. يقول لوقا الانجيلي: "صعد بالطفل يسوع أبواه إلى أورشليم ليقدّماه للرَّبّ، على حسب ما هو مكتوب في ناموس الرَّبّ أنَّ كل ذكَرٍ فاتحة رحم يُدعى قدّوسا للرَّبّ، وليقربا ذبيحة حسب ما قيل في ناموس الرَّبّ زوجَي يمام او فرخي حمام. إنّ العذراء مريم قدَّمت زوجَي الحمام لأنها فقيرة، ولا تستطيع من دفع ثمن الحمل.

في الهيكل، استقبل يسوع شيخٌ تقي، قديس، نبيّ، واسمه سمعان، وعرف أنـّه المخلّص المنتظر فحملـهُ على ذراعيه وقال تسبحته وتتلوها الكنيسة اللاتينيَّة مساء كلّ يوم في صلاة النوم: "الآن تطلق عبدك أيها السيد على حسب قولك بسلام، فإن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام وجوه جميع الشعوب كلّها. نورًا يتجلَّى للأمم ومجدًا لشعبك اسرائيل".

الآن أصبح سمعان الشيخ مستعدًا للموت، لأنَّ عيناه قد رأت خلاص كلّ شعوب العالم. والرَّمز في المعنى العميق الذي يتوِّج هذا اللقاء بين يسوع وسمعان الشيخ، هـو أنَّ هيكل أورشليم قد زالت شرعيّته بمجيء المخلص المقدّم والتقدمة، المذبح والذبيحة المرفوعة على الصليب وعلى مذابح كنائسنا لدى احتفالنا بالأسرار المقدّسة، وصار الرّبّ يسوع هو الهيكل حسب قول متى الإنجيلي: "إني أقدر ان أنقـض هذا الهيكـل، وأبنيه في ثلاثة أيام" (متى 26 :61) ويسوع كان يقصد في كلامه هنا عـن هيكل جسده.

إنَّ يسوع المسيح ابن الله الحيّ، من حيث أنَّه هو الابن وفيه كشف الله عن كلّ شيء، قد صار هـو الهيكل الحقيقي بالتجسد. وفيه، وبهِ، ومعهُ بطُلت وظيفة الهيكـل الحجري القديم. وكما ذكرتُ مسبقًا، أنّهُ في كنيستنا اللاتينيَّة نرنّم ونقول نشيد سمعان الشيخ كلَّ مساءٍ في صلاة النوم، وفيه تعبيرٌ عن استعدادنا للقاء الرّبّ الفادي والمخلّص.

بعض المعاني التي يحملها لنا عيد تقدمة الرّبّ:
في اليوم 40 بعد الميلاد تحمل لنا رتبة عيد التقدمة في الليتورجيا اللاتينيَّة معانٍ عديدة وهي:
أولاً: في بدء الرتبة يقف المؤمنون بإجلال عند باب الهيكل، يستقبلون، مع سمعان الشيخ، وحنة النبية، ويوسف، ومريم العذراء يحملان الطفل يسوع، ويقدّمانه لله في الهيكل.
هذه كلّها رمزٌ إلى استعداد الإنسان للقاء خالقهِ يوم مجيئه، بالسهر والصلاة وسراجنا موقدة.

ثانيًا: عند باب مدخل الكنيسة وفي أثناء الرّتبة يحمل المؤمنون الشموع المقدّمة لهم بعد مباركتها، في هذا رمزٌ إلى ما قدّماه عنه مريم ويوسف، شأن الفقراء فرخي حمام ... لا يملكان أن يقدّما، كما الأغنياء، حملاً ... والحمل هو المحمول بين أيديهم: هوذا حمل الله ...
وهنا رمزٌ آخر في الشموع التي يحملونها، فهي ترمز الى يوحنا المعمدان السابق، الذي هيَّأَ الطريق أمام الرّبّ معلنًا: "هوذا حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم".

ثالثًا: بعد توزيع الشموع، يضيئونها ويطوفون حاملينها إلى داخل الكنيسة.
ترمز إلى حياة ودعوة كلِّ واحدٍ منَّا، لأنَّ الحياة هنا هي دعوة، وهي مكرَّسة لله: في الزواج، في الكهنوت، في الحياة الرهبانيَّة، الرسوليَّة، ... نفوسٌ تُقدِمُ على مغامرة "ترك الشِباك" ... وإصغاء إلى صوت المعلّم الذي يدعوهم: "اتبعني" ... إلى أين؟ إلى الأعماق ...

وهكذا تبعَهُ الملايين، رمَوا شباكهُم في العمق، وقدَّموا له نفوسهم وأجسادهم ... وصار هو مثالهم الأوَّل، فسبقهُم مقدّمًا نفسه وجسده حُبًّا على الصليب. وفي الدعوة المقدّمة في سرّ الزواج، تأتي مريم مثالاً لكثيرين، في حياة الأمومة والإيمان والخدمة والطاعة لمشيئة الرَّبّ، ويوسف أيضًا، في حياة الأبوَّة والمسؤوليَّة والعفّة ... ففي عطائهما غير المحدود، بحسابات البشر.

رابعًا: تطلب الكنيسة المقدّسة في مثل هذا اليوم، الصلاة من أجل المكرّسين الذين كرّسوا أنفسهم ليعيشوا القداسة في عالم اليوم الذي انسحبوا منه لكي يدعوا له أيضا بالقداسة. وصلاة المؤمنين من أجل رعاة نفوسهم، هو، لكي يكونوا النور المشع في قلب هذا العالم. تترنَّم الليتورجيا في الأنتيفونة وتقول: "ما أجملك أيتها الكنيسة، في كل مناسبة، تحدٍ ... وفي كل عيد، دعوة من جديد، ففي المسيح كلّ شيءٍ صار جديدًا..."

خامسًا: بعد نشيد كيرياليسون والمجدلة "المجد لله في العلى"، وصلاة الجماعة تأتي خدمة الكلمة، ففيها تتمُّ لقاءاتٌ مختلفة وهي:
أ - لقاءُ سمعانَ الشيخ مع الطفلِ الإلهي، حسبَ وعدِ الروح لسمعان: ويرمز إلى لقاء الأجيال في شخصيات، "مريم، وحنة الطاعنة في السِّن، ويوسف، وسمعان، والطفل"، ويحملُ أيضًا بُعدًا آخر وهو لقاء إنساني القديم في المسيح الذي سيحوِّلُ كل شيءٍ فيَّ إلى إنسانٍ جديد.

ب - لقاء العهدين القديم والجديد: : ويرمز إلى لقاء الشريعة والنّعمة. وقبل كلّ شيءٍ هو لقاءُ الله بالإنسان، لقاءُ البشرية بخالقها، وإلهها، وربّها، الطفل الموعود، وهو الإلهُ الكائنُ قبل الدهور.

ج - صعود مريمَ ويوسفَ إلى هيكل أورشليمَ، لكي يُقرِّبا يسوع لله: يرمز الصعود إلى طبيعتنا الإنسانيَّة، وفيها هو طفلٌ كسائرِ الأطفال، أي أنّه صارَ شبيهًا بنا في كلِّ شيءٍ ما عدا الخطيئة، وقد قرَّبَهُ والدَاهُ للهِ في الهيكل. " فمع أنَّهُ في صورةِ الله، لم يَعُدَّ مساواتَهُ للهِ غنيمة، بل تجرَّدَ من ذاتِهِ مُتَّخِذًا صورةَ العبد وأطاع حتى الموت موت الصليب...". نعم لقد أطاعَ يسوع، ليكون مثالنا الأعلى في كلّ شيء ويُصعدنا معه إلى عالم الألوهة.

د - قُرِّبَ يسوعُ في هذا اليومِ للهِ في الهيكل استباقاً لأمرٍ آخر: رمزٌ للصليب الذي قرَّبَ نفسَهُ هو ذبيحة وقربانًا لا عيبَ فيهما، وذبيحة في سبيل أحبائِهِ، فهوَ بذلكَ عَمِلَ مشيئةَ اللهِ في حياتِهِ، لا مشيئَتَهُ.

رتبة مباركة الشموع ومعانيها:
إنَّ رتبة مباركة الشموع، تعود إلى عهد الإمبراطور مرقيانوس (٤٥٠ – ٤٥٧ م) حيث كان يرافق العيد تطواف بالشموع.

عند القدّيس كيرلّس الإسكندري (٤٤٤ م) نجد في كلامه توجيهًا للمؤمنين بالاحتفال بالعيد في فرح كبير، وهم يحملون الشموع المضاءة في أيديهم.

مع سفاريوس بطريرك أنطاكيّة في القرن السادس ميلاديّ (٥١٢ – ٥١٨ م)، نعرف أنَّ هذا العيد كان يُحتفل به في كنائس أورشليم والقسطنطينيّة منذ سنوات عدّة.

في هذا اليوم تفتتح الكنيسة اللاتينيَّة احتفالها بعيد تقدمة الرَّبّ ودخوله إلى الهيكل مع رتبة مباركة الشموع الشموع والتطواف، وتعلنه نورًا للعالم، كما ورد على لسان سمعان الشيخ: "نورًا يتجلَّى للأمم". وهذا يرمز إلى أنَّهُ مع المسيح عبرنا من الموت إلى نور الحياة الأبديَّة، من العبوديَّة إلى حريَّة أبناء الله، من حال الفساد إلى حال النِّعمة التي وُهِبَت لنا، من الظلمة إلى نور الإيمان بالمسيح الرَّبّ الحيّ والقائم من بين الأموات.

خاتمة
عيد تقدمة الرَّبّ ودخوله إلى الهيكل، دعوة جديدة لنُزيل عنَّا كلّ ما يُبعدنا إلى لقاء الرّبّ. مقدّمينَ لهُ حياتنا ودعوتنا، ورسالتنا، رافعين ابتهالاتنا بالصلاة من أجل حياة ورسالة رجال ونساء كرَّسوا حياتهم في خدمة ملكوت الله والنفوس.

إذًا لنكُن تلاميذ حقيقيِّين، ولنتَّحِد في القيام بهذا العمل الداخلي في الصلاة، والوحدة، والشراكة الروحية التي تدعونا إليها الطوباوية العذراء مريم، متأمّلين معها في تقدمة يسوع إلى الهيكل، ولنكرّمها عبر مسيرة حياتنا بأكملها، كونها أول وأكمَل مكرَّسة، يحملها ذلك الإله الذي تحمله بين ذراعيها، والتي حَوَت في أحشائِهَا من لا يسَعْهُ الكونُ كلّه؛ نعم لنكُن نحن الأبناء، متّحدين مع الأمّ، العذراء، الفقيرة، والطائعة لله، فهي كلّها لنا لأنها كلّها لله القادر على كلّ شيء. ففي مدرستها، وبشفاعتها، نجدّد كلّنا اليوم معها الـ "هاأنذا" والـ "نعم" متمّمين مشيئة الرَّبّ الإله في حياتنا.

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit