Page d'accueil Articles
Liturgie

أربعَاء الرَّمَاد حسَبَ الطقس اللاتيني

كتابة: الأب نوهرا صفير الكرمَلي
مقدِّمَة
"إنَّكَ ترحَمُ، يَا ربّ، الجميع، ولا تمقُتُ شيئًا مِمَّا صَنَعت، فتتغاضى عن خطايَا الناس، لكي يَتوبوا، وتغفِرَ لهُم لأنَّكَ أنتَ الرَّبُّ إلهُنا". (مِنَ الليتورجيَا اللاتينيَّة يَومَ أربَعاء الرَّمَاد).


تفتتحُ كنيسَتنا اللاتينيَّة زمَن الصوم الأربَعينيّ المقدَّس بيوم أربَعَاءْ الرَّمَاد الذي هو أوَّلُ يوم من الصوم المقدَّس وهو يَوم صَوم على الكنيسَة في العَالم كلِّهِ. وفيهِ يوضع الرَّمَاد على رؤوس المؤمنين. فهذا اليَوم هو دعوة وتهيئة لافتتاح الزمَن الأربعيني الذي يتألَّف مِن أربَعينَ يوماً فيَكونَ زمَن استعداد أكبَر لكلّ مسيحيّ مؤمن ليَعيشَ الآلام الخلاصيَّة مَعَ الرَّبّ يسوع وأهلاً للاحتفال بالفصح المقدَّس معلِناً ومبشِّراً بأنَّ الرَّبَّ يسوع قد قامَ مِن بين الأموات ووطئَ المَوتَ بالمَوت ووهَبَ الحَيَاة للذينَ في القبور.

تعَالوا ندخُلُ معاً في تاريخيَّة هذا اليَوم وهذا الزمَن المبَارك فندركَ جَمال التوبة الحقيقيَّة ونعرفَ بذلِكَ أهميَّة الرجوع إلى الله الذي أحَبَّ العَالم حتَّى أنَّهُ جَادَ بابنِهِ الوحيد مِن أجل خلاصِنا وخلاص العَالم أجمَع.

نبذة تاريخية عن الزمَن الأربعينيّ المقدَّس:
إنَّ لهذا الزمن المقدَّس تاريخ يعود إلى مجمع "نيقيا" سنة 325. حيث يعتبر الزمن الأربعينيّ زمناً مقدَّساً بامتياز لأنه يصبّ على أهميَّة الصوم من أجل الاستعداد الواجب واللائِق إلى عيش مسيرة الآلام الخلاصيَّة مع الرَّبّ يَسوع وصولاً إلى مشاركتِهِ الفرحَة الكبيرة في هذا اليَوم العظيم الذي هو عيد الأعيَاد وموسمُ المَواسم يَومَ قيَامَتِهِ مِن بين الأموات. كان يحتفل بالصَوم المقدَّس في القرون الأولى حداداً على المسيح المَائِت والموضوع في القبر. أمَّا بعد مجمع "نيقيَا" فقد تحوَّل المعنى وتغيَّرَ ليصبحَ هذا الزمَن زمَن تحضير واستعداد، وأخذ الزمن الأربعيني طابع الغفران وأعمال التوبة والرَّحمَة والمحبَّة والتكفير المتعدِّدة والمتنوِّعَة، وذلِكَ وفقاً للوصيَّة الإنجيليَّة: " إن لم تتوبوا تهلكوا جميعكم". أو " توبوا وآمنوا بالإنجيل " (مر 1: 15) أو العبَارة الأخرى التي تقال يوم أربَعَاء الرَّمَاد: " أذكر، يَا إنسان، أنَّكَ تراب، وإلى التراب تعود" (تك ٣ / ١٩). وغيرها من الأنتيفونات الخاصة بهذا اليوم وهذا الزمن والمَزامير الأخرى كالمزمور الخمسين: "إرحَمني يا الله...".
وإنَّهُ لمِن شأن هذا الزمَن خاصة أن يذكِّرنا بمفهوم التوبة الأوَّل: أي التغيير والتجدُّد الداخلي.

معاني ورموز الزمَن الأربعينيّ المقدَّس:
يكمنُ غنى هذا الزمَن في مَا يَحمِلهُ مِن معانٍ ورموز بيبليَّة نابعة من الكتاب المقدَّس في عهديه القديم والجديد. فهذا الزمن الأربعينيّ المقدَّس يعني الزمن المكوَّن من أربعين يوماً. وهذا الرقم أربعون قد جَاءَ من وحي الكتاب المقدَّس، حيث أن لهذا الرقم رموز ومعانٍ نذكر منها:
* صيام الرَّبّ يسوع الأربعيني في البريَّة.
*موسى على جبل سيناء.
*إيليَّا في الطريق إلى جبل "حوريب" يسير 40 يوماً قبل بدء رسالتِهِ.
*مسيرة الشعب العبراني في الصحراء 40 سنة.
*الطوفان مع نوح وأبنائِهِ دامَ 40 يوماً.
*صوم أهل "نينوى" الأربعينيّ.
* يونان النبي أعطى مهلة 40 يوماً لأهل نينوى لكي يعودوا عن الخطيئة.

إنَّ الرقم 40 الذي تستعملهُ الكنيسَة الجَامِعَة في هذا الزمن المقدَّس لهُ دلالة روحيَّة لا رقميَّة ، ففي المواقف السابقة جميعها كانت الحالة تتغير من السيئ إلى الأحسَن خلال 40 يوماً. لذلك جَعلت الكنيسة المقدَّسة زمَن الصوم أربَعينَ يوماً والذي عُرفَ بالزمن الأربعيني، لكي يتحوَّل بها الإنسان من حالة الإنسان الخاطئ إلى حالة النعمة.

أهداف الصوم المقدَّس وقانونهُ:
يمتدّ زمن الصوم المقدَّس من أربعاء الرَّماد حتى السبت العظيم المقدَّس المعروف بـ"سبت النور" لدى الشرقيِّين. الصوم يُلزم لِكل من أتمَّ الحادية والعشرين من العمر ولم يبلغ الستين. فالصوم والانقطاع هو الامتناع عن أكل اللحم والبيض والحليب ومشتقاته وكلّ شيء زفر. يلزم بالانقطاع كل من أتمَّ الرابعة عشرة من العمر فما فوق. تلزم الشريعة بالصيام والانقطاع معاً يومي أربعاء الرَّماد والجمعة العظيمة المقدَّسَة. فالمسيحي معفىً من الصوم والانقطاع إذا كان له عذر شرعي أو حالة مرضيَّة معيَّنة تمنعُهُ مِنَ القيَام بواجباتِهِ المسيحيَّة.

أمَّا الأيَّام التي لا نصوم فيهَا هي: أيَّام الآحَاد بصفتِهَا يوم الرَّبّ، يوم القيَامَة، عيد القدِّيس يوسف، عيد بشارة الرَّبّ، ويوم الخميس المقدَّس من الأسبوع المقدَّس الذي هو يَوم احتفالي بعيد المَسيح الكَاهِن.

معنى الصوم المَسيحي:
يَحمِلُ الصوم المَسيحي معَانٍ ساميَة مَملوءة بالرَّحمة والمحبَّة والغفران. فالصوم مسيرة روحيَّة يَمشي من خِلالِهَا المؤمن المسيحيّ طيلة أربَعين يوماً على مثال الرَّبّ يَسوع الذي صام أربعينَ يوماً في البريَّة قبل بداية رسَالتِهِ العلنيَّة. فالصوم المقدَّس هو زمن العودة والرجوع إلى الله، إلى مَن نعرف أنَّهُ يحبُّنا كمَا تقول القدِّيسَة تريزا ليَسوع الأفيليَّة الراهبَة الكَرمَليَّة، والإنسَان مَدعوّ في هذا الزمَن المقدَّس لأن يتجرَّدَ من ذاتِهِ ليكتشِفَ بدوره المعرفة الحقيقة التي تجعَلهُ يدرك عظمة وجوده على الأرض.

معنى الصوم المقدَّس في الحَيَاة المَسيحيَّة هو:
*أن نتقدَّم من سرّ التوبة طلبًا للغفران، ومن سرّ الإفخارستيَّا طلبًا للحَيَاة.
*أن نشاركَ الناسَ، بانتظام، مع أفراد أسرتنا، في صلاة درب الصليب والتي هي رياضة روحيَّة يمارسهَا المؤمن كلّ يوم جمعة من زمن الصوم الكبير المقدَّس مَا عدا الأسبوع المقدَّس والجمعَة العَظيمَة المقدَّسَة.
*أن نتصَالح معَ الناس أجمَعين، وأن نضعَ بين المتخاصمين الرَّحمَة والسلام.
* أن نكثر من التأمّل في كلمة الله، وزيارة الكنائِس، والمشاركة في القدَّاس الإلهي.
* أن نعطي الجَائِعَ خبزًا، والمريضَ عزاءً.
* الصوم ليس مجرد انقطاع عن الأكل ومشتقاتِهِ .. ولكنه تطهيرٌ للنفس وسلامًا للروح.
* الصوم هو انطلاقٌ حقيقيٌّ للروح صوب العيش مع الرَّبّ يسوع .
* الصوم مع الصلاة والتأمّل هو طريق توصلنا بالإيمان إلى إتمام قصد الله فينا.
* الصوم تحرير النفس من الذات ومن انشغالات الدنيَا ومتاعبهَا.
* الصوم قوامُهُ التوبة والابتعَاد عن الخطيئة وثمرتهُ القيامَة أي الخروج من الأنا والإنفتاح على الآخَر.
* الصوم شركة حُبّ مع آلام ربنا ومخلِّصِنا يَسوع المَسيح.
* الصوم طعام وغذاء يومي للحياة الروحيَّة.

الرَّمَاد في الكتاب المقدَّس العهد القديم:

هكذا يكون الرَّماد في أول يوم من الزمَن الأربَعيني المقدَّس صورة عميقة وعلامة ظاهرة لأهميَّة التوبة والاعتراف واستمطار نِعَم الرَّحمة الإلهيّة. لأنَّ التوبة في معناها الأصلي، هي دعوة لكلِّ واحِدٍ منَّا فهي تدعونا إلى التمهُّل والوقوف أمام ذواتنا والصمت حولَ واقع حَيَاتنا اليَوميَّة والتفكير بالرَّحمَة لمَن حولنا، التوبة هي:

* دعوة إلى مراجعة للحياة.
* دعوة إلى التجديد والتغيُّر.
* دعوة إلى التطور في الشعور والحكم والحياة.
* دعوة إلى أن نخلعَ عنَّا الإنسان العتيق ونلبس الإنسان الجديد.
* دعوة إلى الانتقال من الحياة القديمة والعودة إلى الشباب المتجدِّد والمملوء حيَاة.
* دعوة مِنَ الأنا إلى الآخر.
* مسيرة نحو سرّ الآلام والموت والقيَامَة.

إلا أنَّ أربَعَاء الرَّمَاد لا يقتصر على وجه التوبة هذا ليوم واحد، بل يدعو أبناء الكنيسة المقدَّسَة إلى القيام بأعمال التوبة والرَّحمَة، على خطى عريسهم وفاديهم المتألم والمصلوب على خشبَة حتى المَوت حبّاً، وما زالَ مِن خلال صليبِهِ المقدَّس حتى يومنا هذا يَظهر لنا بمظهر دعوة صارخة إلى التوبة.

علامَة الرَّمَاد في زمن الصوم المقدَّس:
في يوم أربَعَاءْ الرَّمَاد تفتتح الليتورجيَّا اللاتينيَّة زمَن الصوم المقدَّس بالقدَّاس الإلهي الذي يَتخلَّلهُ رتبة تبريك الرَّمَاد ووضعِهِ على رؤوس المؤمنين إمَّا ذرّاً أو مسحاً بشكل صليب. ومسحة الرَّمَاد بشكل صليب، تدخلنا أكثر في جوّ وروحَانيَّة هذه المسيرة المملوءة من التوبة والصاعدة بنا رمزيًّا إلى "أورشليم" حيث سيتمّ الاحتفال بفصح الربّ والمشاركة الفعليَّة في فصحِهِ المقدَّس أي في آلامِهِ ومَوتِهِ ودفنِهِ وقيَامَتِهِ المَجيدة، فالرَّبُّ يَسوع المنتصرعلى الخطيئة والموت هو حمل الله الحقيقيّ الحامل خطيئة العالم. والله سَبَقَ وأعلنَ عنهُ على لسان نبيِّهِ أشعيا حينَ قال: "روح السيّد الربّ عليّ لأنّ الرَّبّ مَسحَني وأرسلني لأبشّر الفقراء... وأعزّي جميع النائحين وأمنحهم بدل الرَّماد تاجًا" (أش61/1-3). ونحن المؤمنون المخلَّصون بدم الحَمَل ندخل عهدًا جديدًا بذبيحَة صليبِهِ المقدَّس، عهد النعمة حيث أنَّ الرَّبّ يَسوع ألبسنا بدلَ الرَّماد تاجَ محبّتِهِ الذي لا حدَّ لهُ "...كالعريس الذي يتعصّب بالتّاج وكالعروس التي تتحلّى بزينتها.. كذلك السيّد الربّ يُنبت البرّ والتسبحة أمام جميع الأمم" (أش61: 10-11)، )، بدل الرَّماد رَسَمَ على جبَاهنا اسمَهُ الحيّ القدّوس ".. يُشاهدون وجهه ويكون اسمُهُ على جباههم" " (رؤ21: 4). وهكذا، مِن خلال هذه المسيرة المقدَّسَة، ترتسم أمامنا من البداية مسيرة فصحٍ، وعيوننا كلُّها شاخِصة صوبَ مَن أحبّنا وبذل نفسه عنّا ومسيرة الزمَن الأربَعينيّ مَا هي إلاَّ الدخول في صحراء الحبّ اللامتناهي وهذا الدخول هو فعلاً كيفَ يَجبُ علينا أن نواجه وجهًا لوجه جميع وحوش "الأنا" ونغلبها بطاعة الرَّبّ يَسوع فينا للآب الذي أحبَّنا حتى أنَّهُ جَادَ بابنِهِ مِن أجل كلِّ واحِدٍ منَّا.

ما معنى وضع الرَّماد على الرأس في مطلع الصوم المقدَّس؟
يستمد يوم أربَعَاء الرَّماد الذي تحتفِل بهِ كنيسَتنا اللاتينيَّة في مطلع الصوم المقدَّس رمزيتَهُ مِن رواسب ما تتركه النار أو ما يتبقى من الإنسان بعد مَمَاته، كَمَا وأنَّ هذا اليَوم يرمز أيضاً إلى هشاشة الوجود البشري. في الكتاب المقدس، يضع المؤمن الرَّماد على رأسِهِ يوم أربَعَاءْ الرَّماد، للدلالة على حزنِهِ وتوبته وبدء مسيرة عودته إلى الله:" أذكر يا إنسان أنك تراب والى التراب تعود"(تك ٣ / ١٩). يرمز الرَّماد إلى خطيئة الإنسان وهشاشة كيانه. أما جلوس التائب على الرماد، مثل أيوب، فيدلّ على صدق شعوره (أي ٤٢ / ٦)، وعند أشعيَا نرى أنّ تغطية الرأس بالرَّماد تمثل نوعاً من الاعتراف العلني والإقرار بخطأ الإنسان وضعفه مستمطراً بذلك رحمة الله ووعد المسيح بالمكافأة، أي بالتاج بدل الرَّماد...(أشعيا٦١/ ١ - ٣).

الترتيب الليتورجي في يوم أربَعَاءْ الرَّمَاد:
إنَّ لهَذا اليَوم عادة حَميدة يوصى بالمحافظة عليها وبتشجيعِهَا: أن تجتمِع الكنيسَة المَحَليَّة للصلاة، على غرار "مراكز" الصلاة الرّومَانيَّة القديمَة، وبحَسَب الطريقة الموافقة لكلِّ مَكان، وذلِكَ في المدن الكبرى على الأقل، ولا سيَّمَا في الزمَن الأربَعينيّ المقدَّس. في قدَّاس هذا اليوم، يُبَارك الرَّمَاد المستخرج مِن إحراق أغصان الزيتون، المحفوظة منذ أحَد الشعَانين وآلام الرَّبّ في السنة المَاضية، ثمَّ يوضع على رؤوس المؤمنين.

في ليتورجيَّة هذا اليَوم لا يتلى فعل التوبة، ويقوم مقامَهُ وضع الرَّمَاد الذي يُبَارك بعد تلاوة الإنجيل المقدَّس والموعِظة وهنا ينضح الكاهِن الرَّمَاد بالمَاء المبَارك من غير أن يقولَ شيئاً. ثمَّ يَضع منهُ على رؤوس المؤمنين، الذينَ يَدنونَ إليه، قائلاً لكلٍّ منهم: توبوا وآمنوا بالإنجيل (مرقس 1: 15) أو "أذكر، يَا إنسَان، أنَّكَ تراب، وإلى التُّرابِ تعود" (تكوين 19:3). وفي أثناء ذلِكَ، تنشد الأنتيفونات التاليَة: عن يوئيل 2: 13 – 17 ، أستير 13: 17 ، باروك 3: 2 والمزمور 50 إرحمني يا الله، ويجب إستعمال أناشيد أخرى ملائِمَة لهذا اليَوم ولهَذا الزمَن، بعد أن يفرُغَ الكاهِن مِن وضع الرَّمَاد، يَغسِلُ يَديه. في هذا القدَّاس لا يتلى قانون الإيمان وتختم المَراسيم صلاة المؤمنين، ومِن بعدها ليتورجيَّة القرابين ويتابع القدَّاس كالمعتاد.

اللون الليتورجي في زمَن الصوم المقدَّس حَسَبَ الطقس اللاتيني:
في هذا اليوم يُرفع كلّ ما هو فرح ويمتدّ على مدى الزمن الأربعينيّ ولذلك تستعمل الكنيسة في هذا الزمن اللون البنفسجي كلباس الكهنة وأغطية المذبح ومنبر القراءات وتتبدَّل فقط في الأعياد الكبرى (القدِّيس يوسف 19 آذار وبشارة العذراء 25 آذار). ولا يتلى نشيد المجد لله في العلى، ولا الهللويا. ولا توضع زينة على الهيكل. ولا تعزف الموسيقى إلاَّ لمرافقة التراتيل ولا يُحتفَل بسرّ الزواج ولا بسرّ المَعموديَّة.

الإنجيل المقدَّس ليوم أربَعَاءْ الرَّمَاد بحَسَب القدِّيس متى البَشير (متى 6: 1- 6 : 16– 18 ):
6 1 إِيَّاُكم أَن تَعمَلوا بِرَّكم بِمَرأًى مِنَ النَّاس لِكَي يَنظُروا إِليكم، فلا يكونَ لكُم أَجرٌ عندَ أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات. 2فإِذا تَصدَّقْتَ فلا يُنْفَخْ أَمامَكَ في البوق، كما يَفعَلُ المُراؤونَ في المجَامِعِ والشَّوارِع لِيُعَظِّمَ النَّاسُ شَأنَهم. الحَقَّ أَقولُ لكُم إِنَّهم أَخذوا أَجرَهم. 3أَمَّا أَنتَ، فإِذا تصَدَّقْتَ، فلا تَعلَمْ شِمالُكَ ما تَفعَلُ يَمينُكَ، 4لِتكونَ صَدَقَتُكَ في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك.

5 وإِذا صَلَّيْتُم، فلا تَكونوا كالمُرائين، فإِنَّهُم يُحِبُّونَ الصَّلاةَ قائمينَ في المَجامِعِ ومُلْتَقى الشَّوارِع، لِيَراهُمُ النَّاس. الحَقَّ أَقولُ لكُم إِنَّهم أَخَذوا أَجْرَهم. 6أَمَّا أَنْتَ، فإِذا صَلَّيْتَ فادخُلْ حُجْرَتَكَ وأَغْلِقْ علَيكَ بابَها وصَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك.
16 وإِذا صُمتُم فلا تُعبِّسوا كالمُرائين، فإِنَّهم يُكلِّحونَ وُجوهَهُم، لِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهم صائمون. الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّهم أَخذوا أَجَرهم. 17أَمَّا أَنتَ، فإِذا صُمتَ، فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وَجهَكَ، 18لِكَيْلا يَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صائم، بل لأَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك

الإطار الليتورجي:
إنَّ الكنيسَة اللاتينيَّة من خلال قراءاتِهَا الليتورجيَّة ليَوم أربَعَاءْ الرَّمَاد تتوقَّف مَعَ القدِّيس متّى الإنجيليّ البَشير، على أهميَّة الصدقة والصوم والصلاة، والسيّد الرَّبّ ركَّز في كلامِهِ على نقاوة القلب وأعمَال الصالحَات، لكي يتمكَّن الإنسان المَسيحي المؤمن في حياته اليَوميَّة وسلوكه وصلواتِهِ التقويَّة أن يَعرف كيف يلتقي بخالِقِه ويعاين مَجدَهُ.

توصي أحداث كتب العهد القديم بالصدقة وتعطي لهَا الأهميَّة الكبرى ونراها في ( سير7: 10) و ( دا 4: 24) والتي كانت من أحد أعمدة البرّ لدى معلِّمي اليَهوديَّة، والكتاب المقدَّس العهد الجديد يوصي ويأمر بهَا ونراها أيضاً عند (لو 11: 41) و ( 2قور 8: 9) و ( روم 12: 8).

عند هوشع ( هو 12: 8) نشاهِد كيفَ أنَّ الصوم يلازم الصلاة، واليهود الأتقيَاء كانوا يصومون أصواماً اختيَاريَّة بالإضافة إلى الأصوام الواجبة عليهم. يَسوع في إنجيلِهِ لا يلغي الصوم، ولكنَّهُ يشدِّد ويحرص على أهميَّة المعنى الحقيقيّ لهُ حرصَ الأنبيَّاء. الصوم ليسَ فقط الانقطاع عن المأكل والمشرب إنَّمَا هو انفتاح حقيقيّ على من هو وحدهُ الحقيقة الكَامِلة، ومعرفة مشيئتِهِ، والعَمَل بهَا.

يقول القدِّيس أغسطينس عن الصدقة: "قد يوجد من يقدّم صدقته قدام الناس لكنّه يتحاشى التظاهر بها، ويوجد أيضًا من لا يقدّمها قدام الناس لكنّه يتباهى بها سرًا". إنَّ الله لا يجازي الإنسَان عن الصدقة بحسب صنعها إن كانت أمام الناس أم لا، بل بحسب نيّة فاعلها ومضمونهَا.

أمَّا القدّيس قبريانوس يدخل في كلامِهِ عن الصلاة ويعطيهَا أهميَّة كبرى من ناحية العلاقة التي يبنيهَا الإنسان مَعَ الله.

ما أعلنه الرَّبّ يَسوع خلال حديثه عن الصدقة يؤكّده أيضًا خلال حديثه عن الصلاة ليقدّم لنا أهميَّة الالتقاء بالآب السماوي، والدخول معه في شركة حب داخليّة لا تنتهي، شركة تقوم لا على أساس تكرار الكلام لمجرَّد أنَّنا نصلّي، بل على أساس انفتاح القلب والروح بالإيمان التي أعظمُهَا المحبّة. "ومتى صلَّيت فلا تكن كالمرائين". إذا صلّينا فلندخل إلى عمق أعماق قلوبنا و لننزع من قلوبنا الداخليّة الأفكار السيِّئة وكلّ اهتمام باطل، وندخل فعلاً في حديث سرّي وعميق مغلق بيننا وبين إلهنا.

* لنصلِّ فعلاً بأبواب وشفاهٍ مغلقة في هدوء كامِل وصمت كلّي، إلى الذي يطلب القلوب لا الكلمات.
* لنصلِّ في الخفية عندما نكتم نوايانا الصادرة من عمق أعماق قلوبنا وأذهاننا بحيث أنَّنا لا نكشفها إلا لله وحده، فلا تستطيع التجارب أن تكشفها.

يقول الرَّبّ في إنجيلِهِ المقدَّس: "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صمت، فادهن رأسك، واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائمًا، بل لأبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانيّة".

* إننا في صومنا المقدَّس لا نصوم من أجل الصوم في حدِّ ذاته، ولا لأجل الامتناع، إنّما لأجل ضبط النفس وانطلاق القلب إلى الحياة السماويّة.
* نغسل وجوهنا كلَّ يوم، لنفهم الوصيّة على أنها غسل لوجوهنا وقلوبنا ودهن لرأسنا الخاص بالإنسان الداخلي ومعرفة ما في الداخل من خيرات وحسنات تجاه الآخرين وجميع من هم حولنا...

فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وَجهَكَ ( متى 6: 17 )
لهذه الآيَة معنى وصورة رائِعة لهذا اليوم ولهذا الزمن فهي تعطي رمزاً داخلياً وعميقاً جداً:
فادهُنْ رأسَكَ : إنَّ دهن الرأس دلالة إلى الفرح، على الإنسَان المؤمن أن يفرَح في داخِلِهِ وفي عقلِهِ وذلِكَ بدهن رأسِهِ الفائِق السموّ في الروح. ويتحقَّق هذا الفرح ويتجلّى في حياة الإنسَان الذي لا يطلب الفرح الخارجي الذي لا يزول مثلاً: مديح الناس لهُ وغيرها... ولا يكون هذا الفرح فقط في هذا الزمَن بابتعادِهِ عن الملذات والمسرَّات إنَّمَا يدوم إلى مَا بعد الصوم بعَمَل الرَّبّ ومشيئتُهُ في حَيَاتِهِ وخضوعِهِ لهُ.

واغسِلْ وَجهَكَ : غسل الوجه دلالة إلى النقاوة، والإنسَان بغسل وجهه ينقي قلبه لكي يعاين الله، فلا يعود هناك من حاجز بسبب حزن أو وجع بل يكون إنساناً ثابتًا وقويًّا جداً لنقاوته التي لا غش فيها.
يقول الرَّبّ في سفر أشعيَا النبيّ : "اغتسلوا تنقّوا، إعزلوا شرّ أفعالكم من أمام عينيّ" (إش 1: 16)، وتكتمِل عند القدِّيس بولس الرَّسول في رسالتِهِ الثانيَة إلى أهل كورنتس: "ناظرين مجد الرَّب بوجه مكشوف كما في مرآة، فتغيّر إلى تلك الصورة عينها" (2 كو 3: 18).

إنَّ كلامَ الرَّبّ يدوّي بصوت واضح عن الغسل والدهن قائلاً: "وأمّا أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك". وذلِكَ إشارة إلى بريق النفس وطهارتها عن طريق الأعضاء الرئيسيّة في الجسم... والرَّبّ يشدِّد ويأمر بأن نغتسل كلنا ونتطهّر إلى داخل أعماقنا بامتناعنا عن الشرّ، ومن جهة أخرى فإننا بالاغتسَال والتطهير نتزيّن ونتحلّى ونضيء بنورنا للناس بممارستنا الخير الذي تنيره النعمة الروحيّة.

خاتِمَة
يبقى أربَعَاءْ الرَّمَاد في الكنيسَة اللاتينيَّة فسحَة تركيز على تحرّر النفس من الخطيئة، أكثر منهُ على التقشُّف والحرمان فتتوالى الآحَاد والأيَّام الخاصَّة بهذا الزمَن حسب ترتيب السنوات الليتورجيَّة الثلاث: مِن تجارب الرَّبّ في البريَّة، إلى مَشهَد التجلّي الإلهي، وفيهِ طعم القيَامَة قبل القيَامَة، إلى طرد البَاعَة مِنَ الهَيكل، وفيه تركيز على جَسَد المَسيح الهَيكل الجَديد، إلى الحيَّة النحاسيَّة، ليكونَ ارتفاع الصليب المقدَّس جواباً على الألم والموت، وصولاً إلى الأحَد الخِتاميّ، أي الأحَد الخامِس وفيه تركيز على السَّاعَة المقدَّسَة وحبَّة الحنطة. وينتهي زمَن الصوم المقدَّس بالأسبوع العظيم المقدَّس الذي ينطلِق مِن أحَد الشعانين وآلام الرَّبّ وصولاً إلى أعظم ثلاثة أيَّام تعيشهَا الكنيسَة في الأسبوع المقدَّس والتي تنتظرها طوالَ هذا الزمَن المقدَّس وهي الثلاثيَّة الفصحيَّة وفيهَا نتذكَّر: عشاءَ الرَّبّ، وغسل الأرجل، والاحتِفال بآلام الرَّبّ، وسبت الصَّمت الكبير تذكيراً بسكون القبر ومتأمِّلين بنزول الرَّبّ إلى مثوى الأموات، وانتهَاءً بأمّ السهرات بالسهرة الفصحيَّة التي تبدأ عند منتصف الليل لأنَّ هذه الليلة هي وفق أقدم التقاليد ليلة تحفظ للرَّبّ (خر 12: 42).

في الرَّمَاد الذي نمسَحُ بهِ جبَاهَنا يَدعونا الرَّبّ يَسوع لأن نرى غبَارَ طرقاتِ البَشَر المتعدِّدة الاتجَاهَات، وأوحَال الحَيَاة التي تؤخِّر مَسيرتنا نحوهُ. حبَّذا أيُّهَا الإخوة لو نرى في هذا الرَّمَاد آثارَ حبِّ ربِّنا الذي يُشعِلهُ كالنَّار في قلوبنا.

إذاً، تعَالوا نبدأ معاً هذا اليوم بعرسٍ يمهِّدُ لعرس الفِداء على خشبَة الصليب المقدَّس، هناكَ ظهَرَ مَجدُ يَسوع المَسيح ربِّنا ولنطلب منهُ أن يبعَثَ في رمَادِ عيشِنا اليَوميّ نارَ روحِهِ القدّوس، فنبدأ مسيرتنا نحوهُ على درب الصوم، درب التوبَة والتجديد، دربِ الصليب، دربِ القيَامَة، مردِّدين معاً صلاة الجَمَاعَة التي تتلوهَا كنيسَتنا اللاتينيَّة في ليتورجيَّة أربَعَاءْ الرَّمَاد:

هَبْ لنا، أيُّهَا الرَّبُّ الإله، أن نستهلَّ اليَوم، بصومٍ مقدَّس، دربَ جهَادِنا الرّوحيّ فنتسلَّحَ بالقناعَة ونقاومَ تجَاربَ الأرواح الشرِّيرة. بربِّنا يَسوع المَسيح ابنِكَ الإله الحَيّ المَالِك مَعَكَ ومَعَ الرّوح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

المَراجع:

* Vivre le carême de Bernard Châteigner ed.L'atelier, 1999.
* Homélie de Jean Paul II pour la célébration pénitentielle à la basilique sainte Sabine.
* Homélie de Benoît XVI lors du rite des Cendres.
*«Mercredi des Cendres», dans Marie-Nicolas Bouillet et Alexis Chassang [sous la dir. De], Dictionnaire universel d’histoire et de géographie, 1878.
*MISSEL ROMAIN, DESCLEE-MAME, Belgique 1978.
*P-M.GY, Semaine Sainte et Triduum Pascale, Maison Dieu, 41 (1995).
* MONTONS A JÉRUSALEM, ITINÉRAIRE DE CARÊME A B C de: "Hyacinthe Vulliez", ed. Desclé de Brauer

* المجمع الفاتيكاني الثاني، الوثائق المجمعية، طبعة ثانية، 1984.
* التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، النص الأصلي اللاتيني: دار الفاتيكان للنشر، حاضرة الفاتيكان، 1997، الترجمة العربية: المكتية البولسية – جونيه، لبنان، 1999، التوزيع: المكتبة البولسية – جونيه – لبنان، منشورات الرسل – جونيه – لبنان.
* الكتاب المقدّس: أنا الألف والياء، دار المشرق- بيروت، 1989.
* "المسيحية في أخلاقيتها" " (التعليم المسيحي للبالغين) سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، رقم 19 – منشورات المكتبة البولسية – لبنان – 1999.

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit