Page d'accueil Articles
Liturgie
Liturgie

الجُمعَة العَظيمَة في آلام الرَّبّ حَسَبَ الطقس اللاَّتيني
كتابة الأب نوهرا صفير الكَرمَلي

"جُرحَ لأجل معَاصينا، وسُحِقَ لأجل آثامنا" أشعيا 52.
(من ليتورجيَّة خدمة الكلِمَة "القراءة الأولى" في ذكرى آلام الرَّبّ)

مقدِّمة
إنَّ هذا اليوم المقدَّس هو أعظم أيَّام السنة كلِّهَا، هذا اليوم المقدَّس هو يوم الفداء العظيم. المسيحُ المَلِك عُلِّقَ على خشَبَة، المَسيحُ الفادي يَموتُ على خشبَة الصليب ليجدِّدَ ويَجمَعَ فيهِ كلَّ شيءْ، ما في السماوات وما على الأرض.
يوم الجمعة العظيمة في آلام الرَّبّ، هو يوم التحوّل الأكبر والأعظم في تاريخ الله والإنسان، هو يومٌ عظيم ومقدَّس في تقليد الكنيسة المقدَّسَة الجامعة، الواحِدة، الرَّسوليَّة. هذا اليوم هو دعوة مميَّزة تدعونا فيه الكنيسَة إلى الصلاة والتأمّل في آلام الفادي الإلهيّ، كلّ شيء يصمت في تلك السّاعة، كلّ شيءٍ يَنظر ويترقّب بألمٍ مَوتَ السيِّد، منتظراً قيَامتهُ المَجيدة في اليوم الثالث في صباح فجر يوم الأحد.
تُقام الرتبة المعدّة لهذا اليوم المقدَّس بحسب الطقس اللاتيني، بالسجود للصّليب المقدَّس وبعد صلاة التناول بخدمة التنزيل عن الصّليب وجناز المسيح بحسب تراثها وتقاليدها المتبعة. أمَّا البعد اللاهوتيّ، والليتورجيّ، والإسكاتولوجيّ والعقائديّ لهذا اليوم العظيم ولهذه الرتبة المقدَّسة، فيصبّ في عقيدة واحدة وإيمان واحد بشخص إلهنا ومخلِّصنا وفادينا يسوع المسيح الّذي صُلِبَ، وتألّم، ومات وقام في اليوم الثالث.

تاريخيَّة الجمعة العظيمة في آلام الرَّبّ وتطوّرها
إنَّ لتاريخيَّة هذا اليوم المقدَّس وتطوُّره وثائق مختلفة وقد شهدَ لهُ طقس كنيسة أورشليم من القرن الرابع والخامس منها:
* بعد اكتشاف خشبة الصليب المقدَّس في أورشليم بين سنة 335-347، أخذ المسيحيّون هناك يحترمون هذه الذخيرة العظيمة ويسجدون أمامها ذكراً لآلام ربّهم. وحسب الطّقس الأورشليميّ، قدِّمت الخشبة للسجود، يوم جمعة الآلام من الصباح إلى الظهر، من دون أن تذكر أيّة قراءة أو ترتيل.

* ولكن بعد فَتِحْ أورشليم سنة 614 على يد الفرس، لا نجد ذكراً لرتبة السجود للصليب في الكتب الطقسيّة هناك، وكذلك في طقس القسطنطينيّة، لم تظهر هذه الرتبة يوم جمعة الآلام، بل عُيِّنت رتبة السجود للصليب في الأحد الثالث من الصوم الأربعينيّ المقدَّس (تذكاراً لانتصار الإمبراطور الروميّ هرقل على الفرس).

* بالنسبة إلى كنيسة المشرق، لقد حفظ جدول القراءات الكامل في مخطوطه من القرن السادس (المتحف البريطاني) لكن هذه المخطوطة لم تذكر رتبة السجود في الكتاب الطقسيّ المنسوب إلى كيوركيس الأربيليّ.

* أمّا في كنيسة روما فقد قُبِلَت رتبة السجود للصليب نحو سنة 750، ومن الممكن أن يكون أحد الباباوات من أصل شرقيّ قد أدخلها إلى طقس روما.

* أما كنيسة السريان فقد حفظت الرتبة القديمة خلال صلاة الساعات يوم جمعة الآلام وهي كالتّالي:
++ صلاة السّاعة الثالثة (أو السّاعة السادسة) تبدأ دورة في داخل الكنيسة، فيسير الشمامسة والكهنة ثمّ الأسقف، وهو يحمل على كتفيه صليباً كبيراً، ويسير متّجهاً إلى ما يمثّل الجلجلة (وهي مكان مرتفع أمام الباب الملكيّ في وسط الكنيسة) حيث يُرفَع الصليب بين شمعتين، تمثّل أحدهما، وهي الشمعة البيضاء لصّ اليمين والشمعة الأخرى السوداء لصّ اليسار والتي تنكسر بعد قراءة الإنجيل، وخلال الدورة ترتل تراتيل الحزن منها "نواح مريم" القائل "عندما كان يحمل الصليب... قالت مريم أين يا ابني؟ أين يا حبيبي؟ أين يوصِلُونك؟..."

++ صلاة السّاعة التاسعة التي تبدأ بعدها رتبة السجود للصليب المقدّس. ينزل جسد المسيح من الصليب على المذبح، ويغطى بمنديل أسود، وتتمّ التراتيل والصلوات: "أيّها المسيح الذي بموتك وهبت الحياة لموتنا، أقم أمواتنا وارحمنا". وتمدح مجموعة من المدائح الشعريّة عن الآلام، مع مزمور 51 و 22 ثمّ نشيد مريم والتطويبات، ورتبة البخور. وصلاة مار افرام عن مريم التي تمثّل الكنيسة، ترى آلام ربّها من جديد، وتعيش شدّتها من كلّ قلبها. وبعد ذلك تقرأ مجموعة من القراءات، مع موعظة جمعة الآلام ومناجات مريم "قامت مريم بنت داود..." ثمّ يرفع المنديل عن الصليب ويقدّم ثلاث مرات للسجود له من قبل المؤمنين، أمام نصب الجلجلة ومن ثمّ يبخّر أمام الصليب حينما يقال "فلنسجد للصليب الذي به خلاصنا ومع لصّ اليمين نهتف: أذكرنا في مجيئك".

لقد حُفِظَ لنا طقس أورشليم القديم في المخطوطات الأرمنيّة، وكذلك من وصف منقول عن الراهبة المتجوِّلة "إيجيريا" التي كانت تزور الأماكن في المدينة المقدّسة سنة 383، وقد ورد ذكر القراءات الثمانية عن الآلام، وأيضًا في خطبة، من خطب القدّيس كيرلّس الأورشليمي وجاءت كما يلي:

أ- من الصباح إلى الظهر، تقدَّم خشبة الصليب، للسجود من قبل المؤمنين.
ب- من الظهر إلى العصر، تقام صلاة طويلة، أمام كنيسة الجلجلة في مكان الصلب نفسه، وتقرأ خلالها 8 نبؤات وما يحقّقها في العهد الجديد.
ج- ثمّ تصلّى صلاة المساء، في الكنيسة الكبرى، مع القراءات التالية: أرميا 11/18-12، أشعيا 35/1-2، مزمور 22/19 وفي القرن الثامن كانت تجرى رتبة غطس الصليب ورتبة التناول.
هـ - وأخيراً يذهب المؤمنون مع الأسقف إلى قبّة القيامة، حيث يقرأ إنجيل دفن يسوع (متى 27/57-61) في مكان القبر المقدّس. وقد حفظت هذه القراءات الخاصّة لجمعة الآلام المقدَّسة بصورة كاملة في طقس كنيسة الأرمن. وبصورة جزئيّة في بعض الطّقوس الأخرى. وخاصّة عند الكنائس البيزنطيّة في الساعات الملكيّة "للجمعة العظيمة".

- منذ القرن السّابع ظهر في طقس أورشليم اثنا عشر مقطعاً شعرياً يتعلّق بصلوات السّاعة الكبيرة ليوم جمعة الآلام. ويمتزج بها، وترجع المقاطع نفسها في طقس القسطنطينيّة ( في مخطوطة من القرن الثالث عشر).

والتقليد ينسبها إلى كيرلس الأورشليميّ (+387). ثمّ نُقِلَت إلى اللغة السريانيّة وإلى لغات أخرى. وقبلتها كنيسة السريان في ترتيب خاص، كما يظهر ذلك من الكتاب الطقسي الّذي ألّفه ميخائيل الكبير الأول بطريرك السّريان (1166 - + 1199). وأثّرت هذه المقاطع الشعريّة على كلّ الطّقوس بسبب قيمتها اللاهوتيّة وجمال أسلوبها الكتابي البديع. فلنذكر البعض منها:

1- اليوم عُلّق على الخشبة الّذي علّق الأرض على المياه. إكليل من شوك وضع على هامة ملك الملائكة. والّذي وشّح السماء بالغيوم ألبس برفيرا كاذباً، والّذي أعتق آدم في الأردن قبل لطمة. عروس الكنيسة سُمِّرَ بالمسامير، وابن العذراء طعن بحربة. نسجد لآلامك أيّها المسيح، فأرنا قيامتك المجيدة.
2- إن بطرس بعد أن أنكرك ثلاثة مرّات، فهم في الحال ما قلته، وقدّم لك دموع التوبة...
3- اليوم انشقّ ستار الهيكل، تبكيتًا لمخالفي الشّريعة. والشّمس سترت أشعّتها لما رأت الرّب مصلوباً...

- في طقس أورشليم المتطوِّر منذ القرن السابع أو الثامن، تظهر لأول مرّة رتبة غطس الصليب. ثمّ في نهاية الساعات ليوم جمعة الآلام يغطس الصليب ويحمل، ثمّ يوضع الصليب – الخشبة المقدّسة – في مكان خاصّ وراء المذبح عادة عند أكثريّة الكنائس الشرقيّة (الأرمنيّة والبيزنطيّة...) وقد أصبحت هذه الرتبة مسيرة الدّفن الاحتفاليّة التي تمثّل دفن المسيح.

- أما في المسيرة البيزنطيّة فتُحمَل "يافطة" وهي قطعة من قماش ثمين طرِّزت عليها صورة جسد المسيح الرّب عند الدّفن (المسماة بالاسم اليوناني إيفيطافيون) وحينما تُنْقَل من المذبح إلى مكان القبر المقدّس، يحمل المؤمنون الشموع ويقدِّمون الورود. ثمّ توضع قطعة القماش هذه في نعش القبر المقدّس. ويأتي الشّعب ليسجد أمامه وتتلى الصلوات.

- في طقس السِّريان تجرى رتبة دفن الصليب بعد الموعظة، وقد لف أحد الكهنة الصليب بالبخور والقطن داخل المنديل ووضعه في النّعش. ثمّ يحمله الشمامسة ويسير وراءه الأسقف والمؤمنون. ويرتّلون تراتيل الدّفن، ثم وسط الكنيسة تقوم رتبة الدفن مع قراءة (تك 37:29-35)، ويبخّر الأسقف أمام القبر ويرفع الصليب من النعش ويضعه في القبر، ويغطّيه بالحجر، ويختمه بالشّمع ثلاث مرّات.

- بالنسبة إلى صورة الصلب في الغرب وفي الشّرق، لا نجد أية صورة عن الصلب قبل القرن السادس، لأن ذكرى الصليب كانت لا تزال في ذلك الوقت صورة غير لائقة في ذهن الكثيرين، كعقاب شديد للمجرمين وعلامة العار لهم. لذلك لم يحفظ لنا شيء جدير بالاهتمام إلا نحت مصنوع في مدينة روما. نحت على خشبة باب كنيسة القدّيسة سابينة، يرجع عهده إلى سنة 438، وصورة الصليب خارج أسوار أورشليم أو أمام بيوت المدينة، ولم يظهر الصليب نفسه إلا قليلاً، وربّنا المسيح المصلوب يقف على الأرض. نحت آخر على عاج صندوق مصنوع سنة 425، ومحفوظ في المتحف البريطاني حالياً.

- صورة المسيح المصلوب في الشّرق هي النّموذج الإنجيليّ التاريخيّ، وهو النّموذج الّذي نجد آثاره محفوظة في صورة للصلب مرسومة في مخطوطة ربولا (سنة 586). ففي هذه الصّورة نشاهد صليب ربّنا يسوع المسيح ينتصب قائماً بين جبلين تعلوهما الشمس والقمر ويتوسّط بين صليبَي اللّصين اللّذين صلبا معه، واللّص الّذي على اليمين ينظر إلى المسيح. ونرى كذلك المسيح الربّ المخلّص مسمّراً على الصليب بأربعة مسامير، لابساً ثوباً أرجوانيًّا طويلاً.

فهذه الصورة تعبّر تعبيراً دقيقًا عن ناسوت المسيح وموته إنساناً وعن لاهوت المسيح الّذي لا يموت. أمَّا الثياب الأرجوانيّة الطويلة، وظهور الشمس والقمر فوق الصليب، فإنها ترمز إلى مكانة ربّنا يسوع المسيح الرفيعة، وإلى شرفه الملكيّ السّاميّ.

- رتبة يوم الجمعة العظيمة المقدَّسَة في أورشليم (القرن الرابع)
عاشت إيجيريا الاحتفالات الليتورجيّة، الأورشليميّة في القرن الرّابع، إذ كشفت لنا عن معالم الأماكن المقدّسة القديمة، وعن الوجه القديم لليتورجيّا الأورشليميّة وبخاصة البنية، والعناصر المكوّنة لليتورجيّا في أسبوع الآلام مع جميع طقوسه الكنسيّة والشّعبيّة كتبت في يوم الجمعة المقدَّسة كما يلي:

1- عند صياح الدّيك، ينحدر الشّعب من الإمبومون، ويتوجّه إلى الموضع حيث صلّى الربّ، على ما ورد في الإنجيل: "ثمّ انفصل عنهم نحو رمية حجر، وخرّ على ركبتيه وجعل يصلّي..." في ذلك الموضع تقوم كنيسة أنيقة (يُعتقد أنها كنيسة شيّدها في أسفل جبل الزيتون، بين عامي 380 و 390، الإمبراطور ثيوضوسيوس الكبير (379-395). كان طولها 20 مترًا وعرضها 15، ولها ثلاث حنيّات، تزيّنها فسيفساء رائعة الألوان والأشكال). فيدخل إليها الأسقف والشّعب كلّه ويتلون صلاة مناسبة للمكان والزمان، ثمّ ينشدون أيضاً ترنيمة مناسبة ويُقرأ نصُّ الإنجيل حيث يقول السيّد لتلاميذه: "إسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مرقس 38:14) فيقرأون الفصل كاملاً، ومن جديد يتلون صلاة.

2- ومن هناك، وعلى أنغام الترانيم، ينحدر الجميع، حتى أصغر ولد، سيراً على القدمين، إلى جتسماني (كان يُطلق إسم جتسماني، حصراً، على المغارة وضواحيها القريبة بسبب معصرة الزيتون. ثمّ شمل هذا الاسم الحقل كلّه، فتميّزت جتسماني السفلى حيث وقعت خيانة يهوذا، عن جتسماني العليا حيث اختلى يسوع للصلاة والنزاع الأخير)، برفقة الأسقف. ومراعاةً لحالة مثل هذا الجمع الغفير، الّذي أرهقته السهرات، وأضنكه الصيام اليوميّ والّذي يضطّر إلى النّزول من جبل عالٍ، فإنهم يسيرون الهوينا، الهوينا حتى جتسماني، على أنغام التّرانيم؛ ويستضيء الشّعب في سيره بأكثر من مئتي مصباح كنسيّ (المصابيح تلك كانت لإنارة درب الشّعب السائر في الليل، ورمزاً لحاملي المصابيح والمشاعل الّذين جاؤوا ليلقوا القبض على يسوع (يوحنّا 3:18).

3- وإذ يبلغون الجتسمانيّة، تُرفع أولاً صلاةٌ مناسبة، وتُنشد ترنيمة. ثمّ يُقرأ من الإنجيل نصُّ إلقاء القبض على السيّد (متى 26: 47-56 . في عهد المؤلّفة، لم يكن في الموضع كنيسة، بل كانت الصلاة تتمّ في الهواء الطلق. أمّا رحّالة وحجّاج القرون اللاحقة (القرن 6) فيذكرون وجود كنيسة في موقع خيانة يهوذا والقبض على يسوع). وفي أثناء تلاوة هذا المقطع، يذرف الشّعب كلّه الدموع وتنطلق منه الصراخات والزفرات والعويل، فتسمع حتى في المدينة أو تقريباً. وبعد ذلك، يتوجّهون إلى المدينة سيراً على القدمين، وعلى أنغام التّرانيم، ويبلغون الباب في السّاعة التي نبدأ فيها تقريباً تمييز بعضنا عن بعض. ثمّ، عندما يتقدّمون في أحياء المدينة، يكون الجميع من دون استثناء حاضرين، الكبار والصغار، الأغنياء والفقراء. وفي هذا اليوم خصوصاً، لا ينسحب أحدٌ من صلاة "السَّهرونيَّة" قبل الصباح. فيواكبون الأسقف إذاً من الجتسمانيّة حتى الباب، ومن هناك، عبر المدينة كلّها حتى الصليب.

4- وعندما يصلون إلى الصليب، يكون الصبح قد انبلج. فيقرأون هنا أيضاً مقطع الإنجيل (متى 27: 2 يؤكّد "كتاب القراءات الأرمنيّ" ما ورد عند إيجيريا: الوقت (بزوغ الفجر) والمكان (الجلجلة)، ويتابع القراءة في يوحنّا 18:28 – 19:6)، حيث دُفع الربُّ إلى بيلاطس. ويُقرأ أيضاً كلّ ما قال بيلاطس، حسب الإنجيل، ليسوع ولليهود.

5- بعد ذلك، يخاطب الأسقف الشّعب ويشجّع المؤمنين، لأنهم جاهدوا طوال اللّيل وعليهم أيضاً أن يجاهدوا في ذاك النّهار، الّذي سيكافئهم على عنائهم مكافأة أكبر. وبعد أن يشجِّعهم على قدر ما يستطيع، يوجِّه إليهم هذه الكلمات: "ليذهب الآن كلٌّ منكم" بعض الوقت، إلى منزله. واستريحوا قليلاً. ونحو السّاعة الثانية من النهار، احضروا جميعكم إلى هنا، حتى إنّه من تلك السّاعة حتى السّاعة السادسة، تستطيعون أن تشاهدوا خشبة الصليب المقدّسة، ليقيننا أن ذلك نافع لخلاصنا. ومن ثمّ، ابتداءً من السّاعة السادسة، يتوجّب علينا أن نجتمع مجدّداً أمام الصليب لنتفرّغ للقراءات والصلوات حتى اللّيل".

6- وبعد الانصراف من الصليب، أي قبل شروق الشّمس، يذهبون كلُّهم فوراً، وقد امتلأوا حماساً، إلى صهيون للصلاة أمام العمود الّذي شُدَّ إليه السيّد للجلد (جاء ذكر هذا العمود لأول مرّة، عام 333، على لسان "حاجّ بوردو" وكان حينئذٍ في بيت قيافا، على السفح الشرقيّ من جبل صهيون. ومن بعد ذلك نُقل إلى كنيسة صهيون حيث كرّمته القدّيسة بولا، عام 386. ويُلاحظ أنَّ النصّ لا يذكر البتّة "المحفل" حيث استوجب بنطسُ بيلاطس يسوع وسلّمه ليُجلد. لربّما لأنه لم يكن قد قامت فيه كنيسةٌ بعد). وبعد ذلك يرجعون إلى بيوتهم لأخذ قسطٍ من الرّاحة، وما يلبثون أن يكونوا جاهزين. فيوضع حينئذٍ كرسيٌّ للأسقف على الجلجلة، وراء الصليب، حيث الأسقف قائم الآن (تدلّ عبارة "وراء الصليب" على المعبد الّذي تتمّ فيه رتبة إكرام العود المقدّس والذبيحة الإلهيّة، مساء يوم الخميس، على صخرة الجلجلة (راجع 38، 3 و 35، 2 من هذا النصّ). و "قائمٌ" تعود إلى الأسقف، طبقًا لما اعتادت المؤلّفة أن تستخدم فعل "قام". فيدلُ على المكان الّذي يُتمُّ فيه وقائع الطقس الأسقف والكهنة والشمامسة والإكليروس...). فيجلس على الكرسيّ وتوضع أمامه طاولة عليها غطاء، فيحيط بها الشمامسة وقوفًا. ويؤتى بالصّندوق المصنوع من الفضّة المذهّبة، الحاوي عود الصليب المقدّس (عام 326، وخلال أعمال رفع الأنقاض عن الجلجلة التي أمر بها قسطنطين الملك، عُثر على عود الصليب، بحضور القديسة هيلانة. ولقد روى القديس أمبروسيوس هذا الحادث في تأبينه الإمبراطور ثاوضوسيوس (395). ولقد أرسلت أجزاءٌ من الصليب إلى كنائس العالم أجمع، كما يؤكّد ذلك، منذ عام 347، القديس كيرلس الأورشليميّ. راجع: Cat. 4, 10; 10, 19; 13, 4 (P.G., t. 33, col. 469, 688, 776) فيفتح، ويُعرض، ويوضعُ على الطّاولة عود الصليب واللّوحة (هي اللوحة التي أمر بيلاطس بكتابتها ووضعها على الصليب، مبرّرًا أمر الحكم على يسوع (متى 27:37؛ مرقس 15:26؛ يوحنا 19:19-22). ولقد عثر عليها، بحضور القديسة هيلانة، لدى العثور على عود الصليب المحيي. فكانت تأكيدًا دامغًا لصحّة الذخائر المقدّسة وحقيقتها).

7- وإذ توضع على الطّاولة، يُمسك الأسقف، بيديه الاثنتين، وهو جالسٌ، العود المقدّس، فيما يقف الشمامسة من حوله يراقبون (منذ أواخر القرن الرابع على الأقل، نجد ذكرًا لوظيفة رسميّة باسم "حارس الصليب" (ستفروفيلاك)، يتعهّدها شخص مرموق من إكليرُس كنيسة القيامة. وكان بورفيرُس (347-420) الّذي عيّنه البطريرك يوحنا، عام 394، "حارسًا للصليب" قبل أن يصبح أسقف غزّة، أول من وصل اسمُه إلينا). وإليكم سبب هذه المراقبة: لقد درجت العادة أن يتقدّم الشّعب بأجمعه، مؤمنين كانوا أم موعوظين، واحداً فواحداً، فينحني كلُّ منهم أمام الطاولة ويقبّل العود المقدّس ويمضي. إنما يُروى أنَّ شخصاً – لا أعلم متى حدث ذلك – عَضَّ العود المقدّس واقتطع منه قطعة. لذلك الآن فالشمامسة الواقفون حول الطاولة، يراقبون لئلا يكرّر أحدُ المتقدّمين ما حدث (راجع: يروي غريغوار دي تور (538-573-594) صراحةً، أنه كثيراً ما اضطُرَّ الحرس، في أثناء رتبة إكرام عود الصليب، إلى استخدام اللكم والضرب لإبعاد بعض الغيورين الذين يقتربون من العود أكثر من اللزوم).

8- يتعاقب الشّعب كلّه، فرداً فرداً. فينحني كلُّ واحد، ويلامس بجبينه وينظر بعينيه، الصليب واللوحة، ويقبّل الصليب ويمرّ، ولكن لا يمدُّ أحدٌ يدَه ليلمس. وبعد أن يقبّل المؤمن عود الصليب ويجتاز، يلقاه شمّاسٌ حاملاً خاتم سليمان، وقرن الدّهن لمسح الملوك. فيقبّلون القرن ويكرّمون الخاتم...
... في السّاعة السادسة، يمرّ الشّعب داخلاً من باب، وخارجًا من آخر، لأنَّ هذا الاحتفال يتمّ في الموضع حيث أقيمت الذّبيحة عشيّة الخميس المقدَّس (أي في المعبد القائم وراء الصليب، وهو صغير المساحة ولا يمكن إلا العبور فيه فقط. أما الشّعب فيكون مجتمعاً في الباحة (الأتريوم).

9- وعند السّاعة السادسة، يتوجّهون إلى ما أمام الصليب، سواءٌ أكان الطّقس ممطراً أم شديد الحرارة، لأنَّ الموضع قائمٌ في الهواء الطّلق، وهو باحة داخليّة فسيحة وجميلة جدًّا ما بين الجلجلة وكنيسة القيامة. فيحتشد فيها الشّعب، بحيث يصعب فتح الأبواب.

10. فيضعون كرسيًّ للأسقف أمام الصليب، ومن السّاعة السادسة حتى السّاعة التّاسعة، لا يفعلون شيئاً سوى أن يقرأوا قراءات، على النحو الآتي (حفظ لنا "كتاب القراءات الأرمنيّ" (من أواسط القرن الخامس) صورة وجدولا للقراءات التي كانت تتلى: ثمانية مزامير بالتتالي، قراءة من العهد القديم، قراءة أو اثنتان من العهد الجديد (ثمانٍ من بولس وأربع من الأناجيل) وأخيرًا صلاة. كانت الغاية من هذه النصوص كلّها إبراز الوحدة بين كتب العهدين القديم والجديد وتحقيق النبوءات في السيّد المسيح): يقرأون أولاً في سفر المزامير جميع النّصوص التي تتكلّم عن آلام المخلّص؛ ثمّ في كتابات الرّسول بولس وكتابات الرّسل – الرسائل أو أعمال الرسل – جميع النصوص التي تحدّثوا فيها عن آلام الرّب؛ ثم يقرأون أيضاً في أناجيل النّصوص التي تحمّل فيها الآلام؛ وبعد ذلك يقرأون في أسفار الأنبياء النّصوص التي تنبأوا فيها عن آلام الربّ؛ وأخيرًا من جديد في الأناجيل النّصوص التي تتحدّث عن الآلام المقدَّسة.

11- وهكذا، فمن السّاعة السادسة حتى السّاعة التاسعة، لا ينقطعون عن تلاوة قراءات وإنشاد ترانيم، ليبرهنوا للشّعب كلّه أنّ ما سبق وتنبّأ به الأنبياء عن آلام السيّد قد تحقّق، على ما تبيّنه الأناجيل وكتابات الرّسل. فيتعلّم الشّعب هكذا على مدى الساعات الثلاث، أنَّ ما من شيء حصل إلا وقد تمَّ التنبًّؤ به، وأنَّ ما من شيء قيل إلا وتحقّق بالتّمام. ويتخلّل ذلك على الدّوام صلواتٌ، تناسب هي أيضاً النّهار.

12- وفي أثناء كلّ قراءة أو صلاة، ينتاب الشّعب كلّه تأثّر وينطلق عويل، ممّا يثير العجب. لأنه ما من أحدٍ، كبير أو صغير، إلا ويتفجّع، في ذلك النّهار، في أثناء السّاعات الثلاث، إلى حدٍّ لا يصدَّق، من أنَّ الربَّ تحمّل هذا كلّه من أجلنا. وبعدئذٍ، نحو السّاعة التاسعة، يُتلى من إنجيل يوحنّا النصّ الوارد فيه أن يسوع أسلم الرّوح (يوحنّا 19: 16-37. تلي هذه القراءة، حسب نصّ إيجيريا، وقفة في المرتيريوم وأخرى في كنيسة القيامة، تختتمها قراءة من متى 27: 57-61).

13- وحالما ينصرفون من أمام الصليب، يجتمعون كلّهم فوراً في الكنيسة الكبرى، أي المرتيريوم أو المشهد، ويحتفلون ابتداءً من السّاعة التاسعة، حيث هم مجتمعون في المرتيريوم، بما تفرضه العادة حتّى المساء، طيلة هذا الأسبوع. وبعد الانصراف يتوجّهون من المرتيريوم إلى كنيسة القيامة. ولدى وصولهم، يُتلى من الإنجيل النصّ الوارد فيه أنَّ يوسف طلب إلى بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع، فأخذه ووضعه في قبر جديد (يوحنا 19: 38-42). تتلى بعد هذه القراءة صلاة، ثمّ يبارك الأسقف الموعوظين، فالمؤمنين، ويتمّ الانصراف.

14- في ذلك اليوم لا يُعلن عن متابعة "السهرونيّة" في كنيسة القيامة، لعلمهم أنَّ الشّعب مرهق. ولكن العادة تقضي بالصلاة. فمن أراد من الشّعب، أو بالأحرى من استطاع، أن يسهر. ومن لا يستطيع فلا يسهر هنا حتى الصباح. إنَّما يسهر هنا الإكليريكيّون والرهبان والراهبات والكهنة الأشدّاء والشبّان، فيُحيون الّليل حتّى الصباح بالترانيم والأنديفونات. ويُحيي "السهرونيَّة" أيضاً جمعٌ غفير، بعضهم منذ المساء، والبعض الآخر منذ منتصف الليل، كلّ واحد حسب إمكاناته.

الرّموز الليتورجيّة واللاهوتيّة ليَوم الجمعَة العظيمة في آلام الرّبّ

إنَّ ليوم الجمعة العظيمة في آلام الرَّبّ معانٍ ورموزٌ ليتورجيَّة ولاهوتيَّة مميَّزة، وزّعتهَا الكنيسة المقدّسة ضمن صلوات الساعات على مدى النهار ورتبة السجود للصليب المقدَّس ودفن المصلوب. جميع هذه الرموز والمعاني أعطتهَا الكنيسَة من خلال الرتبة طابعاً روحيًّا ليتورجيًّا ولاهوتيًّا مُرتبطاً بآلام المسيح الفادي.

- إن الصّلب صار في اليوم السّادس (الجمعة) وهو يوم خُلِقَ الانسان، كما ورد في سفر التكوين.
- السّاعة السادسة (السّاعة الثانية عشرة ظهرًا) التي فيها عُلّق على الصّليب، هي السّاعة عينها التي فيها مدَّ آدم يده، ولمس العود المنهيّ عنه، وسقط في الخطيئة. وهكذا، ففي اليوم الّذي فيه خُلق الإنسان، وفي السّاعة التي فيها سقط، في هذا الوقت عينه تمّ خلاصه وتجدّده. وقد حصل ذلك في بستان، لأنّ آدم طُرد من جنّة الفردوس.
- الشراب المرّ الّذي تناوله المسيح رمز إلى مذاق الخطيئة المرّ.
- اللّطمة مقابل الانعتاق الّذي حصلنا عليه.
- البصق والطّواف رمز الكرامة الصائرة للبشر.
- إكليل الشوك ليُبعد عنّا اللعنة.
- اللباس الأحمر مكان الألبسة الجلديّة التي لبسها آدم وحوّاء في الفردوس بعد السقطة، وهو يرمز إلى حلّتنا الملكيّة.
- المسامير يرمز إلى تسمير جسدنا ونفسنا بالخطيئة.
- الصّليب يرمز إلى الشّجرة التي كانت وسط الفردوس.
- الجنب المطعون يرمز إلى الجنب الّذي منه خرجت حوّاء التي تسبّبت في سقوط آدم.
- الماء الفائض من جنب يسوع يرمز إلى المعموديّة.
- الدم يرمز إلى الإفخارستيّا.
- في الفردوس غرست شجرة الحياة رمز المسيح، ومسيرة الشّعب العبريّ مع موسى هي قصّة صلبٍ وفصح: أي عبور من عبوديّة الخطيئة إلى حريّة الحياة مع الخالق.

الترتيب الليتورجي في ذكرى آلام الرَّبّ في هذا اليوم المقدَّس تشدِّد الكنيسَة المقدَّسَة على تعرية المذبَح وتغطية الصور والتماثيل، كلّ هذا يرمز إلى الدخول في السرّ ومرافقة يسوع في آلامه والشوق الى الاشتراك معه في مجد قيامته.
تعتمد الكنيسَة في مثل هذا اليوم اللون الليتورجي (الأحمر) كلباس الكهنة فقط. أمَّا عند تلاوة إنجيل آلام الرَّبّ، فلا يستعمل الشمعدانان ولا البخور، ولا ترسم إشارة الصليب، ولا يُقبَّل كتاب الإنجيل المقدَّس. والشمامسة وحدهم يطلبون البركة إلى الكاهن قبل تلاوة إنجيل الآلام ويتبع إنجيل الآلام موعظة وجيزة.

الإحتفال بذكرى آلام الربّ: يوم الجمعة العظيمة.
من أقدم عادات الكنيسة ألاَّ يحتفل بالأسرار المقدَّسة يوم الجمعة ويوم السبت المقدَّسين. يجب أن يكون المذبح عارياً من كلّ شيء ويحتفل بآلام الرب بعد الظهر، والأفضل أن يكون ذلك نحو الساعة الثالثة. تتألف الرتبة من أربعة أقسام:
- خدمة الكلمة.
- السجود للصليب.
- التناول.
- جناز المَسيح.

1 - خدمة الكلمة:
في هذا اليوم يرتدي الكاهن حلَّة القدّاس ذات اللون الأحمر، ويتوجّه والخدّام الى المذبح وهناك ينكبّون على وجوههم الى الأرض منبطحين ويصلّون بصمتٍ مدّةً وجيزة. لأن آلام يسوع تدعونا الى الانسحاق معه وإلى السجود العميق.
ثم يذهبون الى المقاعد فتتلى القراءات من العهد القديم (أشعيا) ومن العهد الجديد رسالة الى العبرانيين: "تعلَّمَ الطاعة وصار لجميع الذين يُطيعونه علَّةَ خلاص". ثم إنجيل الآلام حسب القديس يوحنا، بين ثلاثة أصوات يمثِّل فيها الكاهن يسوع.
وبعد سجود صامت عند كلمة "وأسلمَ الروح"، يُكمِل القارىء الى نهاية النّص. ثم تُقام طلبات تشمل جميع البشر، وحتى الذين صلبوا يسوع الذين لا يؤمنون لا بالمسيح ولا بالله. لأنّ استحقاقات آلام المسيح لا حدَّ لمفعوليَّتها، ولأنَّ الآب السماوي يمنح بغزارة، كلَّ النِّعم والبركات لأجل طاعة ابنه ومحبَّته.

2- السجود للصليب المقدس:
وباحتفال يحضر الى المذبح صليبٌ مغطّى. فيكشف الكاهن أو الشماس قليلاً عن أعلى الصليب ثم يرفعه وهو ينشد: "هوذا عودُ الصليب، عليه علِّق خلاص العالم". فيجيب الحاضرون "هلمّوا نسجد له". ثم يجثون ويسجدون بصمت. وكذلك في المرّتين الثانية والثالثة حيث يكشف الكاهن عن ذراع المصلوب اليمنى ثم اليسرى، ثم يكشف عن المصلوب بكامله. ويرفعه فيأتي الشعب للسجود ولتقبيل المصلوب مع الترانيم: "لصليبك يا ربُّ نسجد"، "يا شعبي ماذا صنعتُ بك"، قدّوس الله..." ثم نشيد الصليب الظافر. (تشدِّد هنا الكنيسَة على ألاَّ يتمّ تقبيل المصلوب بعد التناول أو في آخر الرتبة بل المحافظة على الترتيب المطلوب للرتبة احتراماً للتقاليد القديمة التي تحافظ عليها الكنيسة المقدَّسَة). إنَّ هذا الاحتفال يحثُّ المؤمنين على تجديد إيمانهم والسجود والتعبير عن محبتهم ليسوع المصلوب الفادي الحقّ الظافر على الموت والخطيئة وعلى الشرّ.

3- التناول:
يبسط الغطاء على المذبح وتوضع عليه الصمدة وكتاب القدّاس ثم ينقل الشماس أو الكاهن القربان المقدَّس من المذبح المحفوظ فيه في السكرستيا الى المذبح الكبير باحتفال بسيط. وتُتلى الصلاة الربيَّة. ويتناول الكاهن ثمَّ يقوم بمناولة المؤمنين من القربانات التي كرّسها في قدَّاس مساء الخميس على ألاَّ يَبقى منهَا شيئاً. وهذا يعني أنهم يشتركون في ذبيحة الصليب التي هي نفسها الذبيحة التي حقَّقت رمزياً وسريّاً، في العشاء السرّي وإنَّ استحقاقات آلام المسيح على الجلجلة، كامنة كلَّها في القربان المقدَّس الذي يتناولونه ويتَّحدون به سرّياً. وبعد قضاء بعض الوقت في صمت بعد المناولة يتلو الكاهن الصلاة الختامية وينهي الاحتفال من دون البركة ثم يذهبون جميعاً في صمتٍ. أما المذبح فيعاد ويعرّى في الوقت المناسب والذين يحضرون الاحتفال بذكرى آلام الرب لا يتلون صلاة الغروب.
ونلاحظ أنَّه في ليتورجيا هذا النهار لا ذكر لرتبة درب الصليب المقدَّس، لأنَّ هذه الرتبة ليست جزءاً من الليتورجيا لهذا اليوم العظيم المقدَّس. إنما هي رياضة روحيَّة، تتركها الكنيسة لحريَّة المؤمنين وتقواهم، وهي رتبَة يُحتفَل بهَا في يوم الجُمعَة مِن زمَن الصوم أو يوم الإثنين والثلاثاء والأربعَاء مِنَ الأسبوع المقدَّس.

4- جنَّاز المَسيح:
تأتي هذهِ المَرحَلة من ذكرى آلام الرَّبّ بَعد التناول، حيثُ يكونُ المصلوب قد وُضِعَ سابقاً. فيحيطُهُ الكاهِن وخدَّام الاحتِفال، وفي هذِهِ الأثناء يترنَّم بالآيَات التاليَة: " يَا شعبي وصحبي..." - " إلهي إلهي لماذا تركتني؟". وعِند ذكرى إنزال المصلوب تتلى هنا القطعة الأخيرة مِن إنجيل الآلام: " ثمَّ إنَّ يوسف الرَّامي..." صفحَة 241. أو يوجِّه الكاهن إلى الشَّعب الكلِمَة التاليَة أو مَا يشبهُهَا، على اعتبَار أنَّ القِطعَة المذكورة قد رتِّلت في الاحتِفال مسبَقاً:

أيُّهَا الإخوة الأحبَّاء،
في مثل هذِهِ السَّاعَات الأخيرة، مِنَ الجمعَة الحزينَة، تموَّجَت الأرضُ تموُّجاً، تمزَّقَت الصخور وستارَ الهَيكَل، وتخبَّطتْ أورشليمُ في ظلمَة الحِداد، وعادت الجَمَاهيرُ مِنَ الشوارع والجلجلةِ إلى منازلهَا، خائِفة مَذعورة، لِتأكُلَ الحَمَلَ الفِصحيّ، والحَمَلُ الفِصحيّ الحقيقيّ مَذبوحٌ هناكَ على الصليب. فلندخُل الخلوةَ والسكوت، اللذين أحاطا أخيراً بالمَسيح المَصلوب. لِنَدخُلهُمَا، وَمَريَم ويوحنَّا والنِّسَاء القدِّيسَات، ويوسُف ونيقوديمس. ولنَنظرْ مَعَهُم إلى جثَّةِ مَن أحَبّوه، بَل ولنَنظر إليهم، وَهُم يَنزعون الجثَّة المُمَزَّقة المَطحونة مِن خَشَبَتِهَا، وإلى مريَم، وهي تقبَلُ الجثَّة في حِضنِهَا. وقبلَ أن نرافِقَ هذا المَوكَب الصغير، وهو يَحمِلُ الجثَّة إلى القبر، فلنكرِّم هذهِ بصمتٍ مقدَّس، كمَا نكرِّمُ مَوتانا، وقد أصبَحَ المسيحُ اليَوم بكرَ المَوتى.


بَعدَها يأتي النضح والتبخير حيثُ يَنضح الكاهِن نعشَ الرَّبّ، ويُبَخِّرُهُ، طائِفاً حولهُ (وتشدِّد الكنيسَة المقدَّسة على أن يكونَ النعش الذي سيوضع فيه جسَدَ الرّبّ فارغاً وألاَّ يوضع فيه بتاتاً أيَّ نوع من الزهور سوى غطاء من نوع الكتَّان ليوضع عليه المصلوب رمزاً للكفن الذي لفَّ فيه والطريقة التي دُفِنَ فيهَا). وهنا يَبدأ التطواف بالنعش، بينمَا يَحمِل الكاهِن كتاب الإنجيل المقدَّس، وفي هذهِ الأثناء يترنَّم المزمور التالي: "إرحَمني، يا الله، بعظيم رَحمَتِكَ..." وقبلَ التطواف يتوجَّه الكَاهِن إلى المؤمنين بهذِهِ الكَلِمات قائِلاً:

لِنَسِرْ الآنْ، أيُّهَا الإخوة، في هذِهِ الدَّرب، المنحَدِرَة مِنَ الجلجلة إلى القَبر المقدَّس، مترنِّمين بمزمور التوبَة والندامَة والاستِغفار.

بعد الانتِهَاءْ مِنَ التطواف يوضع النعش في القبر أو في مكان ليتورجيّ خاصّ مكشوفاً للمؤمنين بعيداً كلَّ البعد عن أشكال الزينة المعتادة، ويصلّي الكاهن ثلاث صلوات وبَعدَ كلِّ صلاة ترتِّل الجوقة مَعَ المؤمنين: قدّوسٌ الله، قدّوسٌ القويّ، قدّوس الذي لا يَموت، إرحَمنا.

الكاهِن: لننظر إلى يَسوع، أيُّهَا الإخوة، في مَسَاء هذِهِ الجمعَة الحزينة، قبلَ أن يَحجُبَهُ القبرُ عنَّا، وقبلَ أن نرى "قبراً يحتوي الحاوي الخليقة في قبضتِهِ، وحَجَراً يَحجُبُ الذي حَجَبَ السَّماواتِ بقدرَتِهِ"، ويَومَ سَبتٍ يُحيطُ ربَّ السَّبتِ براحَتِهِ. لِننظر إلى يَسوع، أيُّهَا الإخوة، وهو يَختبرُ ليلَ قبورنَا ورطوبَتهَا. فإنَّهُ قد أحبَّنا إلى هذا الحَدّ، باسِطاً قبرَهُ بين قبورنا، مقدِّساً قبورَنا بقبرهِ. فمِن هذا القبر سَتخرُجُ الحَيَاةُ الجديدَة. وعليهِ سَيَقومُ الإيمَانُ والكنيسَةُ والمَسيحيّون. وبهِ سيَكونُ المَوتُ "فِصحاً للرَّبّ".
الجوقة والشعب: قدّوسٌ الله، ...

الكاهِن: أيُّهَا المسيحُ الرَّبّ، إنَّ قبرَكَ هو مِحوَرُ التاريخ، ومنعطفُ جميع الطُرُق. لِذلِكَ "جئنا إلى هنا، هذا المَسَاء، لِنعترفَ بالعَلاقة السريَّة، الكائِنةِ بينَ خطايَانا وآلامِكَ، جئناكَ، نقرَعُ صدرَنا، ونستغفِرُكَ ونستَرحِمُكَ، جئناكَ، ونحنُ نعلمُ أنَّكَ تقدِرُ وأنَّكَ تريدُ أن تسَامِحَنا؛ جئناكَ، لأنَّكَ كَفَّرتَ عنَّا، ولأنَّكَ خلاصُنا ورَجَاؤنا".

الجوقة والشعب: قدّوسٌ الله، ...
وبَعدَ تبخير جديد للنعش يقولُ الكاهن، وهو بَاسِط يَدَيه:
نسألكَ، يَا ربّ، أن تحلَّ بَرَكتكَ الغزيرَة على شعبكَ، الذي ذكَرَ مَوتَ ابنِكَ، والذي باتَ يَرجو قيَامَتهُ + إمنحنا المَغفِرَة، وأنعِم علينا بالتعزيَة، أنمِ فينا الإيمَان المقدَّس، ووطِّدنا في الفِداء الأبَديّ. بالمَسيح ربِّنا.
وفي أثناء تقبيل النعش، وأخذ البَرَكة، يترنَّم الشَّعب بأناشيد الآلام الخاصَّة بهذا اليَوم العظيم المقدَّس.

خاتمة
إنَّ غنى هذا اليوم العظيم، هو ما يَحملهُ لنا مِن معانٍ روحيَّة ولاهوتيَّة وبيبليَّة وليتورجيَّة، تنيرُ عيوننا على أنوار مَن ماتَ وقامَ مِن أجلنا، والذي بارتفاعِهِ على عود الصليب رفعنا معهُ أجمعين، وبقيامتِهِ جذبَ إليهِ الخليقة بأسرهَا.

يَبقى لنا هذا اليوم المقدَّس، نحنُ المَسيحيِّين، وقفة تأمَّل، وقفة قوَّة، بابن الله الذي دنا من المَوتِ بجَلالٍ وعظمَة. جاعلاً مِن خشبَة الصليب جسرَ عبور وبابَ خلاص، غارساً النّور والحَيَاة في لجَّة أعمَاق الجَحيم، وبانياً كنيسَتهُ المولودة بالدم والماء من جنبهِ المطعون بحربة، لتكونَ كنيسَة القيَامة التي لن تقوى عليهَا أبواب الجَحيم.

المراجع:
*MISSEL ROMAIN, DESCLEE-MAME, Belgique 1978.
*P-M.GY, Semaine Sainte et Triduum Pascale, Maison Dieu, 41 (1995), pp.7-15.
* خدمة التنزيل عن الصليب وجناز المسيح، الطبعة الثانية – حريصا، 1986.
* إيجيريا "يوميّات رحلة" من سلسلة النصوص الليتورجيّا – 5 – رابطة معاهد اللاهوت في الشرق الأوسط، منشورات مجلس كنائس الشرق الأوسط، نقلها إلى العربيّة الأب نعمة الله الحلو، طبعة أولى 1994 – بيروت – لبنان.
* القوانين الرسوليّة، سلسلة النصوص الليتورجيّة رقم 6 – تعريب الأب جورج نصّور، جامعة الروح القدس – الكسليك – 2006 – بيروت – لبنان.

Liturgie

Icônes Carmélitaine

Vocation

Neuvaine

Prions avec Thérèse de Jésus

Rosario

Avec le Pape

Etude Bibliques

Prière et Méditation

Vive le Carmel

Chemin de Croix (Via Crucis)

Homélie

Chapelet du Saint Esprit